أخبار لبنان

فضل الله : الوقت بات أكثر إلحاحا للإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وتأمين الاستحقاقات ومواجهة التحديات

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الحسن العسكري (ع)، عندما قال لأحد أصحابه: “أوصيك بتقوى الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإنه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان (في إشارة إلى المؤمنين، لأن المؤمن أخو المؤمن)، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. قال الله عز وجل: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصـلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغآء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيم}، واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل، فإن النبي (ص) أوصى عليا (ع)، فقال: يا علي، عليك بصلاة الليل، ثلاث مرات، ومن استخف بصلاة الليل فليس منا، فاعمل بوصيتي، ومر شيعتي حتى يعملوا عليه”.

هذه هي وصية الإمام الحسن العسكري (ع) لنا. لقد أرادها أن تكون منهجا لشيعته في السلوك، ويكون إخلاصنا له بمقدار العمل بها، لنكون بذلك أوفياء له، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات”.

وقال : البداية من غزة التي لا يكف العدو الصهيوني فيها عن ارتكاب فظائعه ومجازره في حق المدنيين والاستمرار بالتدمير الممنهج للقطاع ما أودى حتى الآن بآلاف الضحايا وجلهم من النساء والأطفال والشيوخ، وأدى إلى هدم آلاف العمارات السكنية على رؤوس ساكنيها، ولم يستثن من ذلك المستشفيات وأماكن إيواء اللاجئين والمساجد والكنائس.
وهو في ذلك يسعى للثأر من هؤلاء للهزيمة النكراء التي حلت بكيانه والإذلال الذي حل بمنظومته العسكرية والأمنية، واستعادة هيبته والإيحاء مجددا بأنه لا يزال الجيش الذي لا يقهر بعد أن عجز عن ذلك في الميدان، وهو يعتقد أنه بذلك يفت من عضد المقاومة الفلسطينية وصمود أهل غزة وثباتهم في أرضهم”.

أضاف :”ومع الأسف يجري كل ذلك في ظل تمادي التغطية والدعم الغربيين الكاملين له، ومنحه الحرية الكاملة بأن يفعل ما يريد ويتجاوز في ذلك الأعراف الدولية والقيم الإنسانية والشرائع السماوية تحت عنوان حق هذا العدو بحماية نفسه، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار ما يرتكبه هذا الكيان في حق الشعب الفلسطيني وحقه أن يعيش على تراب وطنه ويحظى بالحرية الكاملة عليها وأن تتوافر له مقومات العيش الكريم ويعود إليه أسراه”.

وتابع :”إننا أمام ما يجري نحيي صمود الشعب الفلسطيني وثباته، والذي يثبت كل يوم عن مدى صموده وتشبثه بأرضه رغم كل الجراح والآلام التي يتعرض لها ورفضه لأن تتكرر المأساة التي حصلت له عندما هجر من أرضه، ونحيي المواقف البطولية لحماة هذه الأرض والمدافعين عنها وتضحيات العاملين في المجال الطبي الذين يوصلون الليل بالنهار لمعالجة الجرحى وتضميد جراحهم ومن يعملون في الشأن الإعلامي الذين يسعون لتقديم الصورة الحقيقية عن مجازر هذا العدو ويبذلون لأجل ذلك التضحيات من أنفسهم وعائلاتهم”.

واستطرد فضل الله :”ونقدر كل المواقف والأصوات التي تقف اليوم مع هذا الشعب وترفع صوت مظلوميته وتدافع عن حقوقه المشروعة إن في المحافل الدولية أو غير الدولية.
ونجدد في الوقت عينه دعوتنا للدول الغربية الداعمة لهذا الكيان إلى أن لا تتنكر لشعاراتها في احترام شرعة حقوق الإنسان وحق الشعوب بتقرير مصيرها وعدم المس بالمدنيين وهي من كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها وتشن الحروب لأجلها عندما تمس، لكن دائما عندما يكون ذلك لحسابها أو حساب الكيان الصهيوني، وأن تكف أن تنظر بعين هذا العدو وبما يمليه عليها، بل أن تنظر بعين العدالة إلى مأساة الشعب الفلسطيني والذي تعرضه كل يوم شاشات التلفزة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الذي يكذب كل ما يدعيه العدو من أنه هو من يعاني ومن يتعرض مدنيوه للاعتداء.

وهنا لا بد أن نحيي كل الأصوات الحرة التي ارتفعت في هذه البلدان لفضح جرائم العدو رغم كل الإجراءات التي اتخذت وتتخذ لمنعها من التعبير، ولم تنطل عليها كل دعايات الإعلام الصهيوني والإعلام المضلل، وخرجت لتعبر عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وأهالي غزة ورفضها لدعم حكوماتها لهذا الكيان وجرائمه، ونأمل أن تتوسع دائرة هذه المواقف وترتفع مستويات الضغط لإحداث تغييرات في سياساتها لحساب وقف هذه المجزرة المتواصلة”.

وقال :”لقد أصبح واضحا مدى الحاجة إلى مواقف حازمة من الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم ومن لديه حس إنساني وإيماني في مواجهة آلة الحرب الصهيونية التي لا تكف عن القتل والتدمير بعد فشل الجهود الديبلوماسية إن على المستوى الإقليمي والدولي في تحقيق ذلك، ولقد شهدنا أخيرا ما حصل في مجلس الأمن من رفض غربي فاضح لإصدار قرار دولي لإيقاف نزيف الدم والدمار، وما واجهه أمين عام الأمم المتحدة من ردود فعل سلبية، ووصلت إلى حد مطالبته بالاستقالة لأنه طالب بوقف نزيف الدم في غزة حتى أنه اضطر إلى أن يعدل نسبيا من تصريحاته للضغوط التي مورست عليه”.

أضاف :”ونعود إلى لبنان الذي يثبت يوما بعد يوم وقوفه مع معاناة الشعب الفلسطيني من خلال قواه الحية، وهو لا يكتفي ببيانات الدعم والإدانة بل يقدم التضحيات في هذا الطريق بما يملك من قدرة لوعيه لمخاطر نجاح هذا العدو في حرب الإبادة وانعكاسه على قوة لبنان… مع وعي تام ومسؤول لواقع هذا البلد والظروف التي يعاني منها.
وهنا لا بد أن نثمن غاليا التضحيات التي قدمت والتي تشير إليها أعداد الشهداء الذين سقطوا وما يتعرض له أهالي الشريط الحدودي في أراضيهم وممتلكاتهم، ومن اضطرار بعضهم لمغادرة قراهم وبيوتهم إلى أماكن أكثر أمنا، وهنا ندعو إلى الاحتضان الشعبي لهؤلاء والتضامن معهم وتأمين كل سبل الدعم لهم، كما نحيي كل المواقف الصادرة عن بعض القيادات اللبنانية المسؤولة التي دعت إلى فتح الأبواب لكل الذين تسبب العدو أو قد يتسبب في تهجيرهم”.

وتابع فضل الله :” ومن المؤسف، أن نجد هناك من يتحدث بلغة سلبية تسيء إلى روح التضامن التي يجب أن تتسع على المستوى الوطني، أو نجد من يستغل حاجة من اضطرتهم الظروف لمغادرة قراهم وبيوتهم برفع الإيجارات من دون الأخذ في الاعتبار ظروفهم والأسباب التي دعتهم إلى أن يغادروا بيوتهم، في الوقت الذي ندعو الحكومة اللبنانية إلى القيام بمسؤوليتها على كل الصعد، ودراسة كل السبل الكفيلة بتعزيز صمود الأهالي ومعالجة أي أزمة قد تنشأ من استمرار العدوان الصهيوني على لبنان وتداعيات ما يحصل في غزة”.

وختم العلامة فضل الله :” هنا نؤكد على الحكومة والمجلس النيابي العمل لتجاوز كل الاعتبارات التي كانت تمنع من انعقاد مجلس الوزراء كاملا أو المجلس النيابي لمواكبة كل التطورات ومعالجة أي تداعيات، ونرى أن الوقت بات أكثر إلحاحا للإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتأمين الاستحقاقات إن على صعيد الحكومة أو الفراغ في قيادة الجيش حرصا على قوة هذا البلد واستقراره وجعله قادرا على مواجهة التحديات، ولمعالجة الأزمات التي تشغل المواطنين على الصعد المعيشية والاقتصادية والمالية كافة”.

زر الذهاب إلى الأعلى