بأقلامنا

أسامة شرشر يكتب: ما بين المقترح المصرى واقتحام رفح

لا شك أن المقترح المصرى الذى اقترحته الدولة المصرية ويبذل فيه الوفد الأمنى المصرى كل جهد ممكن للوصول إلى صيغة توافقية لوقف الحرب فى غزة باستخدام كل أدوات التفاوض المباشرة وغير المباشرة، هو الأمل الأخير، قبل اشتعال برميل البارود الذى سينسف المنطقة ويحولها إلى منطقة صراع إقليمى لا نهاية له.

فالوفد الأمنى المصرى تعامل ليل نهار بمهنية عالية وقدرة تفاوضية هائلة لتقريب وجهات النظر فى كل النقاط الخلافية ومحاولة الاحتواء الواقعى والمدروس بين الجانبين للوصول إلى وقف إطلاق النار.. ولِمَ لا والتاريخ يشهد بسجل البطولات النادرة لجهاز الأمن القومى العظيم الذى أذهل الجميع.. فمحاولات القفز على الدور التاريخى والجغرافى لمصر هو عبث سياسى.

المشكلة الخطيرة هى أن أمريكا وأوروبا والدول العربية ليس لديها أدوات ضغط حقيقية على نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية التى تحاول بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة أن تحقق نصرًا معنويًا لأن أسطورة إسرائيل التى لا تُقهر أصبحت على أرض الواقع غير موجودة بعد هجوم 7 أكتوبر والفشل الاستخباراتى للموساد الإسرائيلى والمخابرات الأمريكية ووصول الصواريخ إلى عمق تل أبيب، حتى وصل بإسرائيل الأمر إلى استخدام الذكاء الاصطناعى للوصول إلى الأهداف وإبادة مناطق بأكملها داخل قطاع غزة.

والأمر العجيب والغريب هو الصمت الدولى وازدواجية المعايير، وكأنه لا توجد أمم متحدة ولا محكمة عدل دولية ولا منظمات كانت تتاجر بحقوق الإنسان والحيوان، حتى إننا نرى خطة اقتحام رفح على الهواء مباشرة بموافقة الإدارة الأمريكية على الاقتحام ولكن بشرط أن تكون هناك أماكن ومخيمات لأهل غزة، وهذا ضرب من المستحيل والخيال الأمريكى لأن كل شمال وجنوب وشرق وغرب غزة تم دكها وأصبحت هى والتراب سواء، والتقارير الدولية تقول إن إعادة إعمار غزة بعد الحرب- إذا توقفت وأشك فى ذلك- ستتكلف 40 مليار دولار.

والتساؤل ماذا بعد رفح؟!

أعتقد أنه إذا لم يوافق الكيان الصهيونى على المقترح المصرى الواقعى والموضوعى سيكون ذلك بداية النهاية للمنطقة، وأتوقع حينها أن يمتد الصراع ليصبح صراعًا إقليميًا، فمصر ترفض التهجير القسرى وتصدير الأزمات إليها، وكشفت المحاولات التى فشلت فشلًا ذريعًا بنقل جزء من أهل غزة إلى سيناء، بسبب موقف الإدارة المصرية الصلب وتمسكها بالثوابت القومية، رغم أنه كانت هناك أسماء وأشخاص بعينها وكيانات سياسية نعرفها وأبواق من هنا وهناك من داخل مصر وخارجها تقول إن هناك صفقة فى قضية غزة ولكن كان القرار المصرى صادمًا للأصدقاء قبل الأعداء بالتمسك بالثوابت الوطنية والقومية والعربية رغم محاولات الحصار الاقتصادى ورفض أى إغراءات مهما كانت سوق الإغراءات.

وإذا تم تنفيذ خطة جالنت، وزير الدفاع الاسرائيلى، المجنون، الذى يهدد بدخول رفح واستكمال العمليات العسكرية، فإن الصراع سيطول، لأنه حسب المعلومات والتقارير فإن هناك 5 أو 6 كتائب فلسطينية وأكثر من 50% من قوة المقاومة فى رفح الفلسطينية، بالإضافة إلى أن الأنفاق ما زالت صامدة رغم الاستعانة بالخبراء الأمريكيين والأوروبيين لهدمها وكشف تفاصيلها، ورغم ذلك لم يصلوا إلا إلى أقل القليل منها، وما زالت الأنفاق تمثل لغزًا مرعبًا لهم فى حرب الإبادة فى غزة، وأتوقع أن يتم دراستها فى المراكز العسكرية والاستراتيجية فى العالم مستقبلًا.

وأؤكد أن محاولة دخول خط فيلادلفيا (محور صلاح الدين بطول 14 كيلو) ستنسف كل أوراق المعادلة واتفاقية السلام التى يهفو الشعب المصرى إلى إلغائها حتى يتحرر من هذا القيد الذى يقيده بسبب احترام الدولة والشعب المصرى للمواثيق والاتفاقات الدولية.

وأعتقد أن القوات المسلحة المصرية خير أجناد الأرض ومن ورائها الشعب المصرى بكل فئاته بعدد يقارب 120 مليون مصرى، مستعدون للتصدى لأى محاولة لاختراق هذه الاتفاقية وملحقاتها، بل إن معظم الشعب المصرى يتمنى أن تكون أفعال إسرائيل سببًا فى إلغاء هذه المعاهدة؛ حتى نتحرر من قيودها ونقف لهذا العدو الإسرائيلى الذى ضرب بالإنسانية وبكل القوانين والمواثيق الدولية عُرض الحائط، ويفعل بأهلنا فى غزة ما يشاء دون حساب.

والطامة الكبرى التى أخشاها أن تسارع بعض الدول العربية– إذا تم الوصول إلى تهدئة واتفاق- للتطبيع مع إسرائيل بحجة السلام.

فهناك أنباء عن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين السعودية وأمريكا مثل اتفاقية الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية وإمدادها بالأسلحة النوعية مثل إسرائيل، بالإضافة إلى إقامة مشروع نووى فى السعودية.

ورغم كل هذه التنازلات التى قدمتها بعض الدول العربية لإسرائيل وأمريكا، فما زال نتنياهو يقوم بشيطنة قطر على أنها جزء من حماس ويدعو لمحاسبتها ومعاقبتها، وهو ما سارع بعض نواب الكونجرس الأمريكى لتحقيقه، بالمطالبة بعقاب قطر، أو إغلاق المكتب السياسى لحماس فى الدوحة، والبقيه تأتى، لأنه ببساطة شديدة لو توحدت الدول العربية وراء مصر فى هذه الأزمة منذ البداية لتغير الواقع، وما كانت إسرائيل لتتمادى فى هذا الأمر، فهذه الطلبات (تشيرنوبل سياسى)، ويجب أن تكون هناك اتفاقية عربية للدفاع المشترك، بدلًا من الدعوات الأمريكية لعمل اتفاقيات عربية أمريكية إسرائيلية ضد إيران.

فالساعات القادمة هى ساعات مصيرية فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى، فإما الموافقة على المقترح المصرى وإما تتجه المنطقة إلى المجهول.

ورغم كل ما يجرى وسوف يجرى فى الأيام القادمه فاجأنا نتنياهو-وهذا ليس بمفاجأة- بغلق مكتب الجزيرة فى تل أبيب حتى لا يتم تصوير ونقل المشاهد التى نجحت الجزيرة بمهنية عالية فى نقلها لما يحدث فى غزة والضفة الغربية والقدس وكافة الأراضى الفلسطينية المحتلة، فإغلاق مكتب الجزيرة هو جزء من العقاب الإسرائيلى بمباركة أمريكية بسبب ما تسببت فيه مشاهد العدوان الإسرائيلى على غزة من حركات طلابية كانت صدمة لليمين المتطرف الإسرائيلى والصهاينة وبايدن، وهى الحركات التى انتشرت بكل أرجاء الدنيا وأصبحت غزة هى عنوان الحركات الطلابية فى كل أنحاء العالم، مما سيؤثر بالسلب على صانع القرار والشيطان الأكبر أمريكا.

وأقولها من أعلى مئذنة فى قاهرة المعز للصهاينة: إننا وقعنا اتفاقية سلام ولكن هناك حكمة تقال: (عاشرناكم بالمعروف وسنفارقكم بالدم نحن حتى الآن لم ننتقم بل نعيد الجميع إلى القاع كما كان).

وأخيرًا وليس بآخر وأنا أشاهد ما يجرى ليل نهار لنا كمسلمين فى غزة وفى كل المناطق العربية نتيجة التفكك والضعف العربى والاحتماء بالأمريكان (اللى متغطى بهم عريان) كما أرددها فى كتاباتى دائمًا، ولهؤلاء أقول:

هذا زمان كالحذاء تراه فى.. قدم المقامر والمزيف والسفيه

يا نوح لا تعبأ بمن خانوا.. فلن ينجو من (طوفان الاقصى) خائن

فدعونا نتواجه ونتصارح وليعرف كل منا الآخر فنحن نعيش فى زمن الردة وزمن اللامعقول وأشباه المواقف وأشباه الرجال وأشباه النساء.. وفى مثل هذه الأوقات لا يصح إلا أن نقول:

إن التمسك بالأوطان فلاح

ارجع إلينا يا عمر

مصر يا عرب تمصر غيرها ولا تتمصر

أفيقوا يرحمكم الله

وشكر الله سعيكم.

المصدر :  رئيس تحرير جريدة النهار المصرية / اسامه شرشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى