أخبار صور و الجنوب

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك

، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما ورد عن الإمام الصادق(ع)، حين قال: “أوحَى اللَّهُ تعالى‏ إلى‏ داوودَ: أنَّ خَلّادةَ بنتَ أوسٍ بَشِّرْها بِالجَنَّةِ وأعلِمْها أنَّها قَرِينَتُكَ في الجَنَّةِ، فَانطَلَقَ إلَيها فَقَرَعَ البابَ عَلَيها، فَخَرَجَت وقالَت: هَل نَزَلَ فِيَّ شَي‏ءٌ؟ قالَ: نَعَم، قالَت: وما هُو؟ قالَ: إنَّ اللَّهَ تعالى‏ أوحَى إلَيَّ وأخبَرَني أنّكِ قَرِينَتي في الجَنَّةِ، وأن اُبَشِّرَكِ بالجَنَّةِ، قالَت: أوَيَكونُ اسمٌ وافَقَ اسمي؟! قالَ: إنّكِ لأنتِ هِي! قالَت: يا نَبِيَّ اللَّهِ ما اُكَذِّبُكَ، ولا واللَّهِ ما أعرِفُ مِن نَفسِي ما وَصَفتَني بهِ.
قالَ داوودُ: أخبِرِيني عن ضَمِيرِكِ وسَرِيرَتِكِ ما هُو؟ قالَت: أمّا هذا فَسَاُخبِرُكَ بهِ، اُخبِرُكَ أنّهُ لَم يُصِبْني وَجَعٌ قَطُّ نَزَلَ بي كائناً ما كانَ، ولا نَزَلَ بي ضُرٌّ وحاجَةٌ وجُوعٌ كائناً ما كانَ، إلّا صَبَرتُ علَيهِ، ولَم أسألِ اللَّهَ كَشفَهُ عَنّي حتّى‏ يُحَوِّلَهُ هو عنّي إلى العافيَةِ والسَّعَةِ، ولَم أطلُبْ بَدَلاً، وشَكَرتُ اللَّهَ علَيها وحَمِدتُهُ، فأنا راضية بقضائه.. فقالَ داوودُ(ع): فبِهذا بَلَغتِ ما بَلَغتِ”.
أيُّها الأحبة: نحن أحوج ما نكون إلى الصبر، أن نصبر على البلاء ونرى فيه نعمة، فقد ورد في الحديث: “ما من بلية إلا ولله فيها نعمة تحيط بها”، وبها نواجه التحديات.
وقد ورد في الحديث: “ما خلقت خلقا أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، وانّي إنما أبتليه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليرض بقضائي”.
والبداية من فلسطين حيث يستمر الشعب الفلسطيني بالصمود رغم الفظائع التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الآمنين في بيوتهم وأماكن لجوئهم، والتدمير الممنهج للمباني والمؤسسات التربوية والتعليمية والمستشفيات والمؤسسات الإنسانية والحصار الذي يفرضه على القطاع ومنع وصول المؤن والوقود حتى للمستشفيات.
ولعل ما يدمي القلب ويشعرنا بالخوف على المستقبل، أن يشهد العالم كل هذه الصور المؤلمة والفظيعة ولا يتحرك ضميره بل يزداد إمعاناً في مساعدة العدو على الاستمرار فيها.
لقد أصبح من الواضح أن العدو يستهدف من وراء ذلك كسر إرادة هذا الشعب وسلب قراره وفرض خياراته وإعادة الاعتبار لجيشه المهزوم.
يجري كل ذلك في ظل استمرار الدعم الغربي الكامل والمطلق لهذا الكيان والتبرير لجرائمه، وعدم السماح بأي قرارات تدين ارتكاباته ومجازره أو تؤدي إلى إيقاف هذا النزف، ما عرّى الغرب وأظهر عدم جدية الشعارات التي كان يطلقها حول حقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب وحق الشعوب في تقرير مصيرها عندما تمس هذه الشعارات مصالحه أو هذا الكيان، وسوف تبقى هذه المواقف وصمة عار لن تزول عن جبين هذه الدول.
وإن كنا بدأنا نشهد أصواتاً بدأت تنطلق من الغرب والتي عبرت عنها مواقف بعض دولها أو في المسيرات الحاشدة التي انطلقت في أغلب عواصمها والتي تعلن عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني ورفضها لممارسات هذا الكيان والصورة التي يقدمها العدو عن نفسه بأنه الضحية والمعتدى عليه وأنه إنما يقف في وجه الإرهاب.
إننا أمام كل الذي يجري نجدد التحايا إلى الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية الذين أصبحوا أنموذجاً يحتذى في البطولة والفداء ويقدمون كل يوم دليلاً إضافياً على عنفوانهم وتشبثهم بأرضهم، واستعدادهم لبذل أقصى التضحيات للدفاع عنها وتحريرها من مغتصبيها رغم ضعف الإمكانات والقدرات، ما يجعله مؤهلاً لتحقيق ما يصبو إليه من حقه بالحياة العزيزة الكريمة والحرة والتي لا بد أن يصل إليها.
وهنا نجدد دعوتنا، إلى توحيد كل جهود الشعب الفلسطيني بكل تنوعاته السياسية والجهادية حتى لا تظهر الصورة بأن ما يتم استهدافه هو فريق من هذا الشعب بل شعب بأكمله، وبعدما أثبتت كل الوقائع أن هذا العدو لا يستهدف فصيلاً بعينه بل القضية كلها.
ونحن في الوقت نفسه، نجدد دعوتنا للدول العربية والإسلامية إلى أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الله والحاضر والتاريخ في الوقوف مع بلد عربي وإسلامي يعاني ويتألم وأن تتجاوز في ذلك أي حسابات واعتبارات قد تدعوها إلى التلكؤ في نجدته والوقوف معه، فليس الوقت وقت تصفية حسابات ولا رد اعتبار، وأن تعي أنها تقوى إن صمد هذا الشعب وثبت، الأمر الذي سوف يجعل لها حضوراً لها في هذا العالم الذي لا يحترم فيه إلا الأقوياء فيما الويل كل الويل لهذه المنطقة إن استطاع هذا العدو أن يحقق هدفه من المجازر، إذا ستمتد يد هذا الكيان إلى أي بلد عربي يريد أن يقوى أو يريد تحقيق طموحاته أسوة ببقية بلدان العالم.
إن هذا الكيان وجد على حساب العرب والمسلمين وحساب استقرارهم وأمنهم، فهو وحده في هذه المنطقة يمنع وحدتها وتكاتفها وتآلفها، ويمنع أي بلد أن يفكر أن يكون حراً في أرضه وقراره وثرواته وأن يكون نداً في هذا العالم.
وهنا ننوه بكل الدول والشعوب التي عبرت وتعبر عن تضامنها مع معاناة هذا الشعب والذي عبرت عنه التظاهرات الحاشدة التي شهدناها في اليمن والعراق وإيران وسوريا والكويت وقرار البرلمان التونسي بتجريم التطبيع مع العدو، فضلاً عما حصل في الأردن من استدعاء كلاً من السفيرين الأردني والصهيوني إلى بلده.
ونعود إلى هذا البلد لنؤكد على أهمية الحفاظ على الوحدة الداخلية وتعزيزها في مواجهة هذا الكيان.
إننا لا نريد أن نهون من قدرات هذا العدو وما قد يقوم به عند مواجهته، وهو مما خبرناه وعرفناه، ولكننا ينبغي أن نأخذ في الاعتبار نقاط ضعفه وأن لا ننسى عناصر القوة التي يمتلكها هذا البلد والتي كانت وستبقى تجعل هذا العدو يخشى الدخول في حرب معه، والعدو هو أكثر من يعي ذلك، ونرى إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى بذل كل الجهود التي تضمن التحصين الداخلي لهذا البلد وتعزيز مقومات صموده، ويبقى الأساس في ذلك هو تحقيق الاستقرار السياسي والأمني من خلال إنجاز الاستحقاق الرئاسي والحكومة وملء الشغور في المؤسسة العسكرية وذلك بالعمل الجاد على إزالة كل الحواجز الداخلية والخارجية التي لا تزال تقف عائقاً أمام هذه الاستحقاقات، والمعالجة الجادة للأزمات الضاغطة على أمن اللبنانيين الغذائي والمعيشي وقدرتهم على تأمين الدواء والاستشفاء ومدارس أولادهم وجامعاتهم، ما بات يثقل حياة المواطنين ويهدد استقرارهم في هذا البلد، حيث لا يمكن لهذا البلد أن يواجه التحدي الماثل أمامه أو التداعيات التي قد تحصل بهذا الترهل الذي نعيشه، ونحن قادرون بوحدتنا على ايجاد الحلول له…

 

زر الذهاب إلى الأعلى