أخبار لبنان

فضل الله للمسؤولين: للكف عن سياسة التسويف في إنجاز الاستحقاقات

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نهتدي بأمير المؤمنين(ع)، في كيفية محاسبتنا لأنفسنا، حيث كان عليه السلام؛ “إذا أصبح، ثمّ أمسى، رجع إلى نفسه، وقال: يا نفس، إنَّ هذا يوم مضى عليك، لا يعود إليك أبداً، والله سائلكِ عنه فيما أفنيته، فما الذي عملتِ فيه؟ أذكرتِ الله أم حمدتِه؟ أقضيتِ حقّ أخ مؤمن؟ أنفّستِ عنه كربته؟ أحفظتِه بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظتِه بعد الموت في مخلّفيه؟ أكففتِ عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أأعنتِ مسلماً؟ ما الذي صنعتِ فيه؟ فيذكرُ ما كان منه، فإنْ ذكر أنّه جرى منه خيرٌ، حمد الله عزّ وجلّ وكبّره على توفيقه، وإنْ ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله عزّ وجلّ وعزم على ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه…”. نحن أحوج ما نكون إلى الاستهداء بهذه السيرة، لإجراء مراجعة يومية لمسارنا، لنكون أكثر وعياً لأنفسنا ولنتأكد من قيامنا بمسؤوليتنا وأن يكون مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، وبذلك نكون قادرين على الإمساك بزمام أنفسنا ومواجهة التحديات”.

وقال: “البداية من غزة التي أصبح من الواضح أن العدو الصهيوني يصر على الاستمرار بارتكاب مجازره بحق المدنيين وتدمير البنية التحتية، وهو لذلك أجهض كل المبادرات التي دعت إلى إيقاف نزيف الدم والعودة إلى التفاوض، بل نشهد رغبة من هذا العدو لتوسعة دائرة استهدافاته إن بحق الضفة الغربية أو سوريا أو ما جرى أخيراً بحق أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، والتمادي في عدوانه على لبنان. وهذا يعود إلى الرغبة الجامحة لدى من يتحكمون بالقرار الأمني والسياسي لدى هذا الكيان بالانتقام، بعد الإذلال الذي تعرض له وسعياً منه لاستعادة هيبته المفقودة ولتحقيق نصر عسكري أو سياسي يقدمه لجمهوره وللرأي العام بعد الكلفة الباهظة التي يتكبدها إن على الصعيد البشري أو المادي أو المعنوي وخوفاً من الحساب الآتي إن توقفت الحرب ولم يحقق أي إنجاز يذكر”.

اضاف: “إن من المؤسف أن نجد من لا يزال يشجع هذا الكيان على الاستمرار في الحرب ويمده بكل سبل الدعم المادي والعسكري والسياسي والاقتصادي، ويصر على تغطيته في المحافل الدولية من دون الأخذ في الاعتبار كل تلك المآسي والفظائع التي تحدث، وهو ما بات يشير إلى مدى السقوط الأخلاقي والإنساني لدى الداعمين لهذا الكيان أو أولئك الساكتين على جرائمه، ولن ينفع الشعب الفلسطيني المساعدات الإنسانية التي يقدمونها له ما دام نزيف الدم مستمراً”.

وتابع: “في هذا الوقت، ورغم كل هذه الجراح والآلام تستمر مقاومة الشعب الفلسطيني، وهي تقدم في الميدان أروع ملاحم البطولة والإقدام والفداء حتى الاستشهاد، ما لا نجد له مثيلاً رغم عدم تكافؤ القدرات وعدم توازن الإمكانات بينهم وبين كيان العدو، ما جعل قيادات العدو العسكرية تعترف بثقل المعركة، وبثمنها الباهظ على جيشهم وأن الانتصار الذي يصبون إليه لن يتحقق وقد لا يتحقق، وهو تفادياً لإعلان فشله في عدوانه بدأ بالحديث عن مرحلة عسكرية جديدة يسعى للقيام بها في الأسابيع القادمة، والتي نستطيع أن نؤكد إنها لن تجديه نفعاً، بل تزيد من مأزقه، بعدما أخذ الشعب الفلسطيني قراره بالصمود والثبات في أرضه مهما غلت الأثمان وعلت التضحيات، وأنه لن يتنازل عن شروطه ومطالبه تحت وطأة نار العدو وجرائمه”.

وقال: “اننا وأمام ما يجري نعيد دعوة الدول العربية والإسلامية إلى الكف عن سياسة الصمت والاكتفاء ببيانات وبمبادرات أثبتت الوقائع أن العدو لا يعيرها اهتماماً ما دامت لا تهدد كيانه أو مصالحه، في الوقت الذي نجدد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم إلى الاستمرار بالتعبير عن غضبهم تجاه ممارسات هذا الكيان وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، مما تضج به الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل للضغط على دولهم للقيام بالمسؤوليات المطلوبة منهم تجاه شعب عربي ومسلم يريد الحرية لأرضه وإنسانه، وهنا نجدد القول: إن نتائجها لن تقتصر على هذا الشعب بل على أمنهم القومي الذي بالطبع سيكون عرضة للتهديد من هذا العدو إن مرت مجازره بدون حساب وعقاب وهو لن يتوانى أن يكرر ذلك مع كل بلد عندما تقتضي مصالحه ذلك”.

واردف: “ولا بد هنا أن نقدر كل الذين يقفون في الميدان سواء أكان ذلك في الميدان السياسي أو الإعلامي وعبر مواقع التواصل أو الميدان الاقتصادي، أو في المسيرات وأي مظهر من مظاهر الاحتجاج، رغم كل الضغوط التي يتعرضون لها ممن لا يعون مدى خطورة ما يقوم به العدو وآثاره أو ممن يقفون معه”.

وقال: “ونصل إلى لبنان، الذي يتمادى العدو في اعتداءاته عليه والتي وصلت إلى المس بالمدنيين في بيوتهم وبلداتهم، وآخرها ما جرى في بنت جبيل وكاد يجري في عيناتا وأكثر من بلدة… لندعو اللبنانيين إلى التوحد لمواجهة اعتداءات هذا العدو والتي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم، وعدم الرضوخ لمطالبه بتأمين الأمن لكيانه ولو على حساب هذا البلد وأمنه وعدم جعل العدو يستفيد من أي انقسام أو سجال يحصل على هذا الصعيد، وهنا نقدر المواقف الأخيرة التي عبرت عن إجماع اللبنانيين على إدانة هذا العدوان”.

اضاف: “وفي الوقت نفسه نجدد دعوتنا للمسؤولين إلى العمل بكل جدية لتحصين هذا البلد لمواجهة التحديات القادمة التي يخشى أن تكون أكثر سوداوية إن على الصعيد الأمني والسياسي أو الاقتصادي والاجتماعي، والكف عن سياسة التسويف في إنجاز الاستحقاقات إن على المستوى الرئاسي أو عن اتخاذ الإجراءات التي تضمن القدرة على النهوض الاقتصادي ومعالجة أزمات البلد الملحة، حيث لا يمكن مواجهة ما يرسم للمنطقة ولهذا البلد بهذا الترهل”.

وتابع: “لذا نقول للسياسيين؛ أرأفوا بهذا البلد وبإنسانه، وبادروا إلى القيام بواجباتكم بحفظه قبل أن يضيع وسط العواصف العاتية القادمة إليه، وأنتم قادرون إن أردتم، ونخشى أنكم لا تريدون ذلك أو لا تسعون إليه”.

وختم فضل الله: “وأخيراً، إننا ونحن نستقبل عاماً ميلادياً جديداً، ندعو الله عز وجل، أن يحمل إلينا العام الجديد تباشير خير للبنان وللبنانيين وأن ينعموا فيه بالأمن والأمان والسلام المفقود وأن يتوقف نزيف الدم فيه وفي فلسطين، والعمل على أن يكون هذا العالم أكثر عدلاً وحرية… وهنا ننبه كل من يريد الاحتفال بهذه المناسبة، أن يأخذوا بالاعتبار ما يجري للشعب الفلسطيني من مآس وآلام، وما يجري على حدود هذا البلد تعبيراً عن مواساتهم والوقوف معهم ولو بالمشاعر وعلى مستوى الوجدان”.

زر الذهاب إلى الأعلى