أخبار لبنان

سماحة العلامة السيد علي فضل الله، نأمل أن تكون الجلسة التشريعية بداية للعودة إلى مجلس النواب وإيجاد حلول من خلاله

ألقى

خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله(ص) ابنته الزهراء(ع) التي نحيي ذكرى وفاتها، وهي وصيّة غالية لموقع الزهراء(ع) من رسول الله(ص). عندما قال: يا فاطمة، لا تنامي إلا وقد عملتِ أربعة أشياء: ختمتِ القرآنَ، وجعلتِ الأنبياء شفعاءَكِ، وأرضيتِ المؤمنين عن نفسك، وحججتِ واعتمرتِ. قال هذا، وأخذ في الصّلاة، فصبرتُ حتى أتمَّ صلاتَهُ، قلتُ: “يا رسول الله، أمرتَ بأربعةٍ لا أقدر عليها في هذا الحال! فتبسَّم(ص) وقال: إذا قرأتِ (قل هو الله أحد) ثلاث مرّات، فكأنَّك ختمتِ القرآنَ، وإذا صلَّيتِ عليَّ وعلى الأنبياء قبلي، كُنّا شفعاءك يوم القيامة، وإذا استغفرتِ للمؤمنين، رضوا كلّهم عنك، وإذا قلتِ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فقد حججتِ واعتمرتِ”.
هذه هي وصيَّة رسول الله(ص) للزهراء(ع)، وهي وصيّة لنا، بأن لا ننام إلا بعد أن نذكر الله ونمجِّده ونحمده، وبعد أن نتذكَّر الأنبياء والأولياء، وأن نعلن مودَّتنا للمؤمنين والمؤمنات، فنستغفر لهم، لنختم يومنا بخير، ونحظى بهذا الأجر الجزيل؛ فبذلك تصفو نفوسنا، ونصبح أكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات..
والبداية من غزة التي يستمر فيها العدو الصهيوني بمجازره التي تستهدف المدنيين وهم في بيوتهم وأماكن إيوائهم وكل مظاهر الحياة فيها من دون أن يبالي بكل القرارات الدولية والمناشدات التي تصدر من أغلب دول العالم وشعوبها، والتي دعته إلى إيقاف نزيف الدم وعدم الاستمرار في السياسة التي يتبعها بتدمير الأبنية والمستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة، وعدم السماح بإيصال المؤن ومواد الإغاثة والدواء وسبل الاستشفاء، وهو يستفيد في ذلك من القدرات التي يمتلكها ومن الدعم العسكري والأمني والاستخباري والغطاء السياسي الذي لا يزال يتأمن له، وإن كنا بدأنا نشهد أصواتاً تنتقد ممارسات هذا الكيان وجرائمه بحق المدنيين من الدول الداعمة له والتي جاءت أخيراً من الرئيس الأميركي لكنها لم تصل بعد إلى حد إيقاف الدعم لهذا الكيان، بل قد تفسر أنها جاءت للتخفف من الضغوط التي بدأت تمارس عليها من داخلها أو من خارجها، والتي ظهر تأثيرها جلياً في القرار الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في الأصوات التي بدأت تتعالى في العالم والتي تدعو إلى الالتزام بالمعايير القانونية والإنسانية في الحرب، وعدم التعامل على هذا الصعيد بمعايير مزدوجة، وفي موقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي قال بأن “حجم الموت والدمار في غزة لم يسبق له مثيل ولا يحتمل”.
وفي المقابل، يستمر الشعب الفلسطيني بصموده الذي لا مثيل له في التاريخ، حيث لم نشهد من هذا الشعب من يتأفف أو يتذمر رغم كل الجراح والآلام التي عانى ويعاني منها كل يوم، ويكتفي بأن يقول بلسان عزته: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، فيما تتصدى مقاومته في الميدان لمحاولات العدو الصهيوني للتقدم وتجهز على آلياته وجنوده من نقطة صفر رغم عدم التكافؤ في القدرات والإمكانات وتقدم ملاحم في البطولة والفداء حتى الاستشهاد بما يظهر مدى قدراتها وحسن إدارتها للمعركة، ما جعل هذا العدو يعترف بقساوة المعركة وصعوبتها وكلفتها الباهظة عليه.
لقد استطاع هذا الشعب ورغم كل هذه الجراح والآلام التي تحصل في غزة أن يسقط أهداف العدو ويؤكد على صموده في مواجهة هذا العدوان، وأن يجعله يدفع أكلافاً باهظةً، ويظهر الحقيقة العنصرية لهذا الكيان ومدى جرائمه وخطورته على الصعيد الإنساني، وأن يعريه من الصورة التي كان يقدمها من أنه جيش أخلاقي، وأن يوسّع من دائرة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة الكريمة، وأن يُحرج كل الذين يساندون هذا الكيان، ويجعلهم في موقع المدانين لوقوفهم إلى جانبه، فيما أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة بحيث لا يمكن إغفالها أو عدم إيجاد الحلول التي تضمن حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه.
وفي موازاة ما يحصل في غزة، علينا أن لا ننسى معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية وما يتعرضوا له يومياً من اقتحامات العدو الصهيوني في جنين وطولكرم وغيرهما، فيما لا يزال هذا الشعب يقدم بكل تنوعاته وفئاته التضحيات الجسام في تصديه له، وهو يؤكد في ذلك على الموقف الفلسطيني الموحد في مواجهة العدو الصهيوني.
ونصل إلى لبنان، الذي يواجه تمادياً من العدو الصهيوني في اعتداءاته، بحيث تجاوزت حدود قواعد الاشتباك الجاري على الحدود، وبدأت تطاول المدنيين والآمنين في بيوتهم وأماكن بعيدة منها، في الوقت الذي يوجه رسائل التهديد لهذا البلد عبر قادته، وإن كنا لا نزال على قناعة بأن هذا العدو لن يقدم على تنفيذ تهديداته لوعيه لمدى مواقع القوة في لبنان، وهو إن خرج من معاركه اليوم فلن يخرج إلا مثخناً بالجراح إن على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، أو على صعيد الصورة التي باتت تقدم عنه، ولن يملك التغطية الكافية التي أعطيت له، لكن هذا لا يعني عدم القيام بالدور المطلوب لمواجهة أي مغامرة قد يقدم عليها العدو أو لمنعها إن أمكن.
ومن هنا ندعو مجدداً إلى تحصين لبنان، حيث لا يمكن أن يواجه العواصف التي تجري في المنطقة، بالترهل الذي نشهده في الساحة الداخلية، إذ يستمر التجاذب بين القوى السياسية وهي غالباً ما تكون لحسابات شخصية أو مصالح فئوية، والذي يمنع من ملء الشغور على صعيد رئاسة الجمهورية الذي بات هو الباب لكل الحلول أو على صعيد قيادة الجيش، التي نأمل في الوصول إلى مخرج يؤدي إلى سلامة المؤسسة العسكرية وحسن قيامها بدورها، فيما يجب أن تبذل الجهود لإيجاد حلول ولو آنية للأزمات التي يعاني منها المواطنون على الصعيد المعيشي والحياتي، لا سيما من يعانون من التهجير القسري من المنطقة الحدودية.
إن المطلوب من كل القوى السياسية أن ترتقي إلى مستوى هذه المرحلة الخطيرة وتحدياتها، وأن توحد جهودها وتكتل طاقاتها من أجل إنقاذ بلد يتداعى وقد يضيع في ظل العواصف العاتية.
ونأمل أن تكون الجلسة التشريعية التي حصلت وتحصل هي بداية الطريق للعودة إلى المجلس النيابي وإيجاد حلول من خلاله.

 

زر الذهاب إلى الأعلى