بأقلامنا

الترجمة وقوس قزح.. مع د.حسين صفي الدين بقلم إدريس هاني

المصدر : انباء اكسبريس \ مايو 2, 2023

يعيدنا المفكر والطبيب اللبناني د. حسين صفي الدين إلى قصة هذه الترجمة بلعنتها البابلية المزمنة، ويقف عند النّص الفلسفي: تحت قوس قزح الترجمة إلى العربية، وهو عنوان مؤلفه الجديد، حيث انخرط في وجع معضلة انتقال الأصل إلى العربية، في سياق يؤكد على انحراف الترجمة وعدم وفائها للنص الأصلي، أو ما سمّاه البعض بالترجمة كخيانة.

التحدي الذي حاوله صفي الدين، هو فتح نافذة على تاريخ الترجمة العربية منذ الكندي والفارابي وابن رشد قبل أن تتوقف مع توقف الزمان الثقافي العربي.

وهذه تتطلب وقفة أخرى، لأنّ الترجمة حاجة أكثر مما هي رغبة، وقد بلغ العالم الإسلامي ذروة قوته، حيث تراجعت الحاجة للترجمة فيما بات يقدم نصوصا للآخر، حيث كان أحرى أن نبحث إلى أي حدّ كانت الترجمات اللاتينية للنص العربي وفيّة للأصل؟

تاريخ الترجمة، لا سيما في شقّها الفلسفي، مغامرة، لكن د. حسين صفي الدين تقصّاها بالتحليل وبالتأويل. فهو يدرك ويُسطّر أيضا على أن الانزياح الترجمي عن النص الأصلي يعود إلى اختلاف بنية لغة التصدير عن بنية لغة الاستقبال. عن هذه المعضلة سيركز على عينات من الترجمة العربية، لنصوص هيغل وهوسرل ودولوز. ويستمر الحديث عن غربة النص المترجم عن النص الأصلي. وهي عند البعض تصل مرتبة الاستحالة.

عالج صفي الدين الدافع الأساسي لفعل الترجمة، في مثال تجربة مصطفى صفوان مع نص هيغل في فينومينولوجيا الروح، حيث اعتبر الدافع للترجمة في مقدمة محاولته يعود إلى الرغبة في تجديد الثقة باللغة العربية، هذا بينما صفي الدين يعتبر أنّ الرغبة ليست كافية لترجمة نص فلسفي، بل الترجمة في نظرة ضرورة وحرفة. وهو ما يعني أن الترجمة صناعة.

تقصّى صفي الدين النقاش العربي نفسه حول الترجمة، ولم يتجاهل محاولة طه عبد الرحمن، حيث نازلها في مزاعمها التداولية، ووقف عند بعض التفاصيل.

ينطوي العمل على محاولة مهمّة، سنتابع فصولها بالتأكيد. فالترجمة هي الفعل الضروري في مجال الفلسفة ليس لنا عنها حولا، لكن لا أحد يرضيه نصّ مترجم، مع أنّ المشكلة تكمن في وعينا بمهام الترجمة وحقيقتها بوصفها تعاقدا وإعادة إنتاج، وبأنها وفيّة لغواية المترجم بوصفه قارئا، وبأن لا مخرج من هذه المعضلة إلاّ بإخضاعها إلى الترجمة الجماعية، لتكون الترجمة أكثر ديمقراطية.

إنّ سوء الفهم الكبير يحدث داخل اللغة الواحدة، فكيف بالسير خلسة بين اللّغات. مسألة أخرى تعفيني شخصيا من هذا الجدل المستدام حول الترجمة، وهو أنّ النظرة المثالية للغة تجعلنا في موقع انعدام الرضى.

بعض اللغات أغنى بالمرادفات، وأخرى أقل. المفهوم يعفينا من التشدد في الألفاظ، لأنّ المفهوم يحتفظ (بـ) ويحيل (إلى) نسق فكري، غير آبه بالمعادل اللّفظي. سيستمر النزاع حول أفضل ترجمة ممكنة، وهي مستحيلة، لأنّ الإمتاع الترجمي مرهون لبنية لغة الاستقبال، التي هي شريك في صيرورة المعنى.

لن نتوقع وفاء للنص الأصلي في الترجمة العربية وغيرها، بل ستكون الترجمة إفقارا للنص الأصلي أو إغناء له، غير أنّ الترجمة ستبقى تحت طائلة اللعنة البابلية إلى الأبد، مما يعزز الرغبة في أنّ الترجمة فعل مستدام. وقد اختار لها د.حسين صفي الدين تشبيها بقوس قزح في الأسطورة القديمة، حيث ما أن يمر من تحته أحد حتى يفقد نوعه، وهو كذلك بالنسبة للترجمة باعتبارها قوس قزح.

زر الذهاب إلى الأعلى