بأقلامنا

صوتُ فيروز… ما هو؟ بقلم الاديب الشاعر عبد الغني طليس

مِنَ التصنيفات التي لا تركبُ على قوس قُزَح أنّ صوت فيروز صَبَاحيّ، وقد اعتمَدت إذاعات ومحطات تلفزة هذا التصنيف فبات أغلب ما تذيعُه أو تعرضُه من أغانيها، في الصباح، بادّعاء أن تلك الأغاني تناسب المزاج الرائق الذي يقدّمه الصباح للإنسان.

وفي ظني أن من اخترع هذا الموعد، تقليديّ تماماً في نظرته الى الأصوات والفنون عامةً ، ومن غير الجائز، بل من الجائر وضع صوت فيروز في هذه الخانة التي لا تضرّها طبعاً لكنها تؤطرُها في توقيت معين يبدو معه أن تغيير الوقت ليس مناسِباً. لا، صوت فيروز هو إبن المزاج كيفما كان وفي أي توقيت كان، وليس خاضعاً لصباحٍ هنا، ومساء هناك، وظهيرة هنالك. الصوت الذي يكشفكَ في الصباح وانت ما يشبه صفحةً بيضاء، هو الصوت الذي تكتشفُهُ أنت في المواقيت الأُخرى. فهل غريب الاستماع إليه في مواعيد متفرّقة من النهار والليل والواقع بينهما. لا جواب عند المدافعين عن صوت فيروز الصباحي إلّا أنهم اعتادوا ذلك، وهُم غالباً يحدّدون الأشياء بالاعتماد على العادة أو المألوف أو الذي لكثرة تكراره يصبح حقيقة. إن الرشاقة والرهافة في كلام وألحان الأخوين رحباني يقدمان سلاسةً وعُمقاً أيضاً، وإن نسبةَ أغانيهما مع فيروز، إلى أوقات معينة، هي مبالغةٌ مُحِبة ربما، إلّا أنها محبة لا تحيط بما يحمل الصوت من معانٍ رائعة وأفكار دافئة ومشاعر مسكونة بالرضا.. وهذا كلّه من الحياة نفسها ، والحياة لا صباح ولا مساء ولا ليلَ يمكن أن يقيّدها. وأنا أشير إلى هذه المسألة لأنها تعمّمت وتكرّسَت من دون أن يُعطَى لها تفسير موضوعي لا في طبيعة الصوت الغنية بالإيحاءات ولا في طبيعة الأشعار والألحان التي تُراكِمُ الجمال على الجمال. ينبغي الخروج فوراً من هذا التصنيف مع ضرورة إبقاء أغاني فيروز في الصباح وسَحْبِها على كل النهار.

أعرف أن الفترات الغنائية الصباحية دقيقة إحساساً، ويُفَضّل فيها الإستماع الى الأغاني الجميلة والخفيفة، والجمال في أغاني فيروز لا ينضب، كما أعرف أن اللجوء إلى تلك الأغاني هو حتى لا يتورّط بعضهم في بثّ أغان ثقيلة الظلّ، أو غير منتظمة في سياق جمالي، أو قائمة على موسيقى وكلمات ضعيفة ينفر السامع منها. لكن، أعود إلى لكن، ينبغي مراجعة ما يذاع صباحاً بحيث يتم اختيار أغانٍ تتسم بالهدوء والرقة والإتقان، وفي مكتباتنا الإذاعية الكثير منها، فقط حتى لا يطلَع علينا مِنْ يقول إن فيروز «تحتكر» الصباح بعدما احتكرَت الريادة والسيادة الغنائيتين في بلادنا!

أمّا أداء فيروز كممثلة فقد تقدّم بطريقة منطقية وموضوعية، فهي ليست تلميذة جامعية، لكنها إبنة الحياة، والشخصيّات التي كانت تلعبها هي من الحياة، فلم يدخل في تمثيلها التمثيل، بل محاولة نقل الواقع الإنساني لأيّ دور كان: بساطة وطبيعة ذكية، ولا تصنُّع في الحركة ولا في القول، واللفظ السليم الواضح والنبرة التلقائية… لذلك لا يستطيع أحد القول انها كمغنية كانت أقوى منها كممثلة،

بل كان التمثيل نتيجةً عمليّة هادئة لِما في النص المسرحي من أخبار وأسرار وأفكار!

 

المصدر : الجمهورية تاريخ 7 / 9 / 2023

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى