بأقلامنا

كتاب العميد أنور يحي الشرطة القضائية في لبنان/ حقوق وإنجازات بقلم : الدكتورة سلوى الخليل الأمين

كتاب العميد أنور يحي

الشرطة القضائية في لبنان/ حقوق وإنجازات

بقلم : الدكتورة سلوى الخليل الأمين

الأربعاء في : 16 شباط 2023

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عرفت العميد أنور يحيي حين كنا نقوم باحتفالات ديوان أهل القلم، وكان ما زال في سيار الدرك ، حيث كان العين الساهرة على الأمن في الدولة وأمان المواطنين ، ومن خلال مهمته كان يرعانا بعينه الثاقبة ، التي لا تعرف سوى الحرص على ما يجري في الوطن من فعاليات، تضم العديد من الشخصيات الفاعلة في جميع المجالات، والمسؤول بحكم موقعه الوظيفي عن عدم تعرض أي فعالية ثقافية كانت، أم سياسية أم مجتمعية، من التعرض لأي خلل، ينعكس بطبيعة الحال بشروره على الوطن  .

بعدها تولى قيادة الشرطة القضائية ، وكنت لا أعلم شيئا عن مهامها الوطنية، إلى أن وصلني كتابه : الشرطة القضائية في لبنان / حقوق وإنجازات ، وإذ هو مؤلف من 639 صفحة، تؤرشف تاريخ الشرطة القضائية أو ما سمي البوليس العدلي في زمن الإنتداب، إضافة إلى نشر بعض الصور الشاهدة على عصر الشرطة القضائية، الممتد من تاريخ الدولة العثمانية حتى زماننا الحاضر.

بدأت قراءة الكتاب بتأن ملحوظ، كي أدخل في حيثيات تلك الوحدة في جهاز قوى الأمن الداخلي، المسماة الشرطة القضائية لمعرفة حيثيات عملها، فإذا بي أكتشف أنها تمسك بمفاصل الامن في لبنان عبر سهرها الدائم على أمن المواطنين، من حيث كشف الجرائم على تنوعها، وملاحقة تجار المخدرات ومراقبة نوادي القمار، إلى كشف الفاسدين والمتآمرين على أمن الوطن والمواطن، وتحرير المخطوفين، وملاحقة المسلحين الخارجين على القانون من عصابات السلب والتزوير والقتل المتعمد، إضافة إلى ملاحقة المطلوبين الخطرين مهما كانت إرتباطاتهم وحماياتهم من قبل ذوي الشأن ، وكل ذلك بشعور وطني قائم على تربية صالحة استمدها من والده المختار في بلدة عرمون،وإعجابه بأدائه، وأداء رجال التحري ، حين يستدعي الأمر الإستعانة بالمختار لمداهمة المطلوبين، وتحقق حلمه حين التحق بالمدرسة الحربية بصفة تلميذ ضابط في العام 1971،  وهدفه الأسمى هو المحافظة على الأمن والأمان في وطنه لبنان، إنطلاقا من مبادئه الوطنية وتربيته الأخلاقية وقيمه التي تعلو فوق كل المسارات.

شرح العميد أنور يحيي في كتابه، المهام التي اوكلت للشرطة العدلية، منذ عهد المتصرفية التي اعتمدت نظام الضبطية، الذي هو أقرب إلى نظام الدرك والجند في فرنسا، ثم تدرجت إلى بدء الانتداب الفرنسي على لبنان، حيث بقيت الشرطة القضائية ضمن مديرية الشرطة العامة، كقوة منظمة من أجل تأمين النظام في الوطن، ومنع وقوع الجرائم، ومن ثم تنفيذ القوانين المرعية الإجراء.. إلى أن وصل لبنان إلى الحرية ونال استقلاله بجهود أبنائه الخلص الأوفياء للوطن،  حيث أصبحت الشرطة القضائية تعمل ضمن اختصاص عناصرها على تثبيت الأمن في لبنان، ومكافحة أي خلل أو فوضى، بروح وطنية عالية لا مكان فيها للتدخلات من أي جهة أتت ، من أجل تثبيت المدماك الأول لبناء الوطن ، بعد أن مر بسنوات عجاف، على أسس وطنية سليمة، حيث أصبحت الشرطة القضائية مولجة بالحفاظ على النظام والأمن والآداب العامة، ومنع وقوع الجرائم المختلفة المسارات، والتصدي لمسببيها عبر إجراءات وقائية ورادعة، وضعت لهذه الغاية.

تولى العميد أنور يحيي قيادة الشرطة القضائية في العام 2005 م حتى العام 2010م،وكما هو متعارف عليه في بلدنا لبنان، فإن المناصب الأمنية وغيرها من المواقع المهمة، تكون موزعة حسب الطوائف الكبرى المتعددة، لذا يعود إلى زعماء الطوائف أختيار قادتها والمسؤولين في دوائر الدولة، على أن يكونوا من الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والجدارة وحب الوطن، وليس إرضاء للزعيم مهما علا شأنه، لذا كان بعض السياسيين الذين يريدون مصلحة الوطن، يحبذون هذه الأمور ويدعمونها، ومنهم رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي وليد جنبلاط ، الذي كان يختار لتلك المناصب والمواقع، الأكفاء في طائفته من منطلق الحرص على لبنان ومسار الأمن فيه. لذا تم تعيين العميد أنور يحي قائدا للشرطة القضائية في لبنان، التي لها الدور الأهم في تثبيت الأمن والكشف عمن يخل به.

ما استرعى انتباهي وأنا أقرأ الكتاب حادثة حصلت في دار المختارة، وذلك حين ذهب وفد من بلدة عرمون لتقديم الشكر للزعيم وليد جنبلاط على حسن اختياره للعميد أنور يحيي، لتسام قيادة الشرطة القضائية في أصعب الظروف ، والحادثة لا يمكن المرور بها مر الكرام، مما حداني إلى التوقف عندها لأنها مثال في الوطنية الصادقة ،ومفادها أنه حين قام أحد المشايخ  لألقاء كلمة باسم الوفد الذاهب لدار المختارة، مطلقا أسم العميد أنور تحت مسمى أنور العرموني، هنا قاطعه وليد جنبلاط بالقول : صار إسمو العميد أنور اللبناني. وهذه الحادثة التي تم ذكرها في الكتاب، لها معانيها العميقة في نفوس من يفهمها ويقدر مضمونها الوطني، الذي يعلو ولا يعلى عليه.

في الكتاب يذكر العميد أنور يحيي ، أنه خلال ممارسته لوظيفته الأمنية القيادية، تعامل مع الجميع دون أي تعصب طائفي أو مذهبي أوسياسي، فكان المثل والمثال على إنضباطية رجل الأمن في لبنان، المنوط به المحافظة على الأمن والأمان، دون أية عراقيل أو مطبات تقلل من أهمية واجبات الشرطة القضائية ، وذلك لإيمانه بأن كل مواطن لبناني له الحق بأن يحميه ويدافع عنه، فاستحق ثقة الناس والدولة بسهره الدائم على تفعيل عمل الشرطة القضائية، وخضوع عناصرها من ضباط ورتباء للدورات العلمية في الخارج، والتدريب على كشف الجرائم بواسطة التقنيات الحديثة ، ولم تكن تلك الدورات تخضع للمزايدات بل للكفاءة الشخصية المحضة. إذ أن شعاره  في العمل الأمني ، كان المبدأ الذي أتخذه وصرح به أمام الجميع وهو :” لن أتسامح بقضايا الفساد مطلقا بوجه كل العناصر . وسأطبق مبدأ الثواب والعقاب بكل دقة، وسأكون إلى جانب العناصر بأدق الظروف” . وذلك بعد أن أحال عددا من الضباط والرتباء وأفراد من الشرطة القضائية إلى التحقيق بجرم الفساد والرشوة.

حوادث كثيرة تكلم في كتابه عن مجرياتها العميد أنور يحيي ، ومنها : تلف مزروعات المخدرات في سهل البقاع بشكل جدي ومنع زراعتها والأتجار بها، مع ما يتخلل القيام بهذا العمل من عقبات أستطاع تذليلها ، إلى مواجهة قضية اغتيال الصحافي سمير قصير وما تبع ذلك من أشاعات واتهامات، التي كان يصغي إليها، تنهل من ألسنة كل الموجودين في مكان الجريمة،  لكنه كان يتابع عمله بإنضباطية رجل الأمن المسؤول عن تجميع الأدلة والشهود، والكشف على نوعية المتفجرة ووزن العبوة لعمل اللازم في ما بعد وكشف الفاعل. إضافة إلى ذكر اغتيال أمين عام الحزب الشيوعي جورج حاوي، وقضية اغتيال الأعلامي  الكبير جبران تويني حيث كان لها الوقع المؤلم ، إضافة إلى غيره ممن تعرضوا للأغتيالات، وما تبع تلك الحوادث من عمليات مخلة بالأمن الوطني، حيث كان لها تداعيات مؤثرة على مساحة الوطن .

لقد اكتشفت من خلال قراءتي للكتاب، أهمية عمل الشرطة القضائية ، خصوصا إذا تولى رئاستها ضابطا وطني، همه الأول والأخير الوطن والإنسان في لبنان ، لا يهمه غضب البعض وعدم مسايرتهم وإرضائهم، بل همه الوحيد تطبيق القانون على كل مخل بالأمن كائن من كان، حيث كتب عهدا على نفسه أن يتخلص من الدوائر العفنة التي تحيط بوطنه لبنان، وأن يجعل الزمن حكما حول فعله القويم، وان يشذب كل النوتوءات التي تتراقص أمام مسيرته بدبلوماسيته المعهودة، دون أن يحيد قيد أنملة عن تطبيق القانون والأمن المولج به.

هكذا كان العميد أنور يحيي خلال مسيرته في قيادة الشرطة القضائية، وقبلها في المواقع التي أنيطت به ، حاملا في عقله وقلبه رؤاه التواقة إلى فجر يبزغ بالأمل المنشود، الذي عمل على جعله الحقيقة الثابتة في سجلات الأمن الداخلي، وخلال مسيرته الأمنية والاجتماعية وتعاطيه مع ذوي الشأن من رجالات السياسة ، حيث بذل فصول حياته في خدمة وطنه، غير آبه بتوقيت أو عطلة رسمية أو أي مسارات تحدد طبيعة عمله، بل كان يعمل بثقة عالية وإيمان مطلق بأن ما يعمله ويقوم به، هو لصالح وطنه لبنان.

بقلم: د. سلوى الخليل الأمين

رئيسة ديوان أهل القلم

 

ته في قيادة الشرطة القضائية، وقبلها في المواقع التي أنيطت به ، حاملا في عقله وقلبه رؤاه التواقة إلى فجر يبزغ بالأمل المنشود، الذي عمل على جعله الحقيقة الثابتة في سجلات الأمن الداخلي، وخلال مسيرته الأمنية والاجتماعية وتعاطيه مع ذوي الشأن من رجالات السياسة ، حيث بذل فصول حياته في خدمة وطنه، غير آبه بتوقيت أو عطلة رسمية أو أي مسارات تحدد طبيعة عمله، بل كان يعمل بثقة عالية وإيمان مطلق بأن ما يعمله ويقوم به، هو لصالح وطنه لبنان.

بقلم: د. سلوى الخليل الأمين

رئيسة ديوان أهل القلم

زر الذهاب إلى الأعلى