شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
أخبار صور و الجنوب

المرتضى :”كيف لشتلة تبغٍ أن تنصب كميناً لطائرة عدوّة وتسقطها؟

 

كلام وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى جاء في حفل تخرّج طلاب مدرسيين وجامعيين في بلدة راميا الحدودية.
وجاءت كلمته : “الرامية” هي التي لا تحمل الهمّ، وترمي أعباءها خلف ظهرها، هي المعتزّة بنفسها المدركة لقدراتها.
فيا أهلها، يا أهل رامية، جئتُ إليكم من بيروت على متنِ سؤال: كيف لشتلةِ تبغٍ أن تنصب كمينًا لطائرةٍ عدوّةٍ وتُسقِطَها؟
الحدث الذي تحقّق ههنا منذ ثلاثة أعوام بإسقاط المسيّرة الإسرائيلية لا يَحدثُ إلا في الأرض الجنوبية التي سقاها الدم والعرقُ وإنغرست فيها زنودُ المزارعين وقبضاتُ المقاومين، حتى أصبح ناسُها جبالًا من صمودٍ وسهولًا من خيرات.
هنا على مرمى نظرةٍ من فلسطين، لا تزالُ رامية وأخواتُها على امتداد الخط الحدودي، تقف خطَّ دفاعٍ أول عن القيم الإنسانية قبل كل شيء، وعن الكرامة الوطنية أيضًا وحقوق لبنان واللبنانيين أخيرًا.
وإحتفالنا اليوم ههنا، بتخرّج أبنائك يا رامية، من صفوفٍ مدرسية واختصاصات جامعية، يحمل في طياتِه معانيَ الصمود والإصرار في العزائم التي لا تلين. فأنتم يا ابناء هذه البلدة الطيبة، شعبٌ شامخٌ في مواجهة الحقد والغدر، على أطراف حرمان الوطن، يحمل كبارُه المعاولَ وصغارُه الأقلام، ويمضون إلى الحقول أو الصفوف، وليس من هدفٍ لهم سوى بناء غدِهم إشراقةً تلوَ إشراقةٍ، كأنهم بعضٌ من صخر هذا المكان، ملتصقون بالأرض انتماءً وهويةً لا موردَ رزقٍ فقط… هؤلاء لهم على الدولة من المواطنةِ كلُّ حقوقِها، لا أعدِّدُ كي لا أستثنيَ حقًّا.
وما قدومي الآن إليكم، ووقوفي معكم على منبر النجاح الذي صنعتموه ونلتموه، إلا واحدٌ من الحقوق التي لكم والواجبات التي على كلّ مسؤولٍ. ولعلَّه يشكلُ شيئًا من الدعم المعنوي الذي يحتاجه أبناء هذه القرى الحدودية الصامدة، في وقتٍ تعجزُ فيه الدولة عن تقديم أيِّ دعمٍ آخر بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تحكم المشهد الاقتصادي، وبسبب الأزمات السياسية التي ما زالت تتوالدُ وتتوالى على المشهد الوطني منذ سنوات، وتستفحل مع مواعيد الاستحقاقات الأساسية.
ولأن من حقكم أيضًا أن تعرفوا الحالة التي نحن فيها بأسبابِها وآثارِها، فسوف أحدثكم بكلِّ صراحة وبدون مواربة، لأقول: إن ما نعيشُه هو نتيجةٌ طبيعية للحصار الذي يتعرضُ له لبنان، كفصلٍ راهنٍ من فصول الحربِ المستمرة عليه منذ نشوء الكيان المغتصب، ومنها فصل الحرب الأهلية، والصراع مع منظمة التحرير الفلسطينية، فالاحتلال الصهيوني المباشر للجنوب وصولًا في مرحلةٍ ما إلى العاصمة بيروت، فتحرير الأرضِ والأسرى، فالعدوانِ العسكري الفاشل في تموز 2006، مع استيلاءٍ ما زال مستمرًّا منذ عقود على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فالاختراقات الدائمة في الجو، وصولًا إلى التهديد المباشر بسرقة ثرواتنا التي أودعها لنا الله تعالى في أعماق البحر، كمثل فِعْلِهم عندما سرقوا كامل فلسطين.
ذكرتُ هذه كلَّها أمامكم لا لتذكيركم بما تعرفون، بل لأقول لكم: صحيحٌ أن هذا الحصار يهدفُ أساسًا إلى النيلِ من قوة المقاومة وقوة موقفها العسكري والسياسي والأمني، وذلك عبر قهر الشعب للانفضاض عنها؛ لكنَّ هذا ليس السببَ الوحيد. فلبنان بطبيعة تكوينه يشكل الصورة المعاكسة للكيان الإسرائيلي العنصري القائم على الجرائم بكلِّ أنواعها. لبنان بلد التنوع والعيش الواحد يناقض إسرائيل التي تحيا على العنصرية والتعصب، وكلما قوي لبنان انكسرت إسرائيل، ولهذا يُضيَّقُ الحصارُ عليه لأنه في معركة وجود مصيرية بينه وبينها. هذه تنبه لها منذ سبعين عامًا سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر فقال: قاتلوا إسرائيل بأسنانكم وأظافرِكم مهما كان سلاحكم وضيعًا” فكيف الآن ولنا من القوة ما لنا؟؟ من هنا دعوتي الدائمة والمتكررة إلى التشبث بالوحدة الوطنية واحتضان بعضِنا بعضًا، وهذا ما نحياه بفضل من الله كثنائي وطني ونأمل أن يحياه اللبنانيون جميعاً على اختلاف مشاربهم الإيمانية والسياسية لأن الوسيلة الأهم للصمود والمحافظة على نتائج أي انتصار هي منع العدو من بث الفرقة بيننا.
لا أظن أنني خرجتُ على مضمون المناسبة. فكل علم لا نوظفه من أجل بناء المستقبل الوطني والشخصي، يبقى ترفًا لا طائل منه. وكلُّ مجدٍ نناله إن لم يكن لخدمة المجتمع فليس بشيء. وهذا ما فعلتموه أنتم في هذه البلدة وما حولها من قرى وبلدات، بمحافظتكم على عيشكم الواحد وتعلقكم بحرية وطنكم وسيادته.
أيها الأحبة،
في بداية كلمتي قلتُ جئتكم من بيروت على متن سؤال: “كيف لشتلةِ تبغٍ أن تنصب كمينًا لطائرةٍ عدوّةٍ وتُسقِطَها”،
وبعد قليل سأعود أدراجي على متن جواب هو: أن الطلاب وأهل هذه البلدة الأحرارَ المؤمنين حوَّلوا أوراق التبغ إلى شهاداتِ علمٍ كفيلٍ بأن يجعل قوتَهم تُسْقِط جميعَ الاعتداءات والمؤامرات.
عاشت رامية أبيّة صابرةً صامدة إسماً على مسمى ترمي أعباءها خلف ظهرها معتزّة بنفسها مؤمنةً بربّها واثقةً من قدراتها متأهبةً على الدوام لدحر العدو في البرّ وفي الجوّ.
عشتم يا اهل رامية ومبارك لكم تخرّج ابنائكم الميامين
عاش عبق الصدر ليبقى لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى