شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
بأقلامنا

المشهد الجيواستراتيجي الجديد: إيران قوة دولية عظمى بقلم ناصر قنديل

ناصر قنديل

– منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي تحول العالم الإسلامي الممتد على مساحة عابرة فوق قارتين كبيرتين هما آسيا وأفريقيا، إلى مسرح تفاعلات وتداعيات سياسية واستراتيجية قالت إن هذا العالم يشكل متحداً سياسياً وثقافياً واجتماعياً تشكل قضية فلسطين والمقدّسات الإسلامية فيها، محوراً جامعاً له رغم مرور خمسة وسبعين عاماً على ظهور هذه القضية، وبذل مساعٍ وجهود دولية سياسية وعسكرية وإعلامية وثقافية ومالية هائلة لتجاوزها وطي صفحتها، بمشاركة حكومات فاعلة في العالم الإسلامي.
– في قلب هذا العالم الإسلامي الذي يمتد على مساحة تعادل ربع مساحة اليابسة (32 مليون كلم مربع) والذي يبلغ عدد سكانه ربع عدد سكان العالم (2 مليار نسمة)، بقيت قضية التعاون والتنسيق على قشرة الخيارات الاستراتيجية للدول التي تلتقي في منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي، وكان عصر دول عدم الانحياز فرصة لتظهير قوة العالم الإسلامي كجزء من منظمة دول عدم الانحياز، عندما كان جمال عبد الناصر ركناً من أركان هذه المنظمة، وكانت قضية التحرّر الوطني على مستوى العالم في رأس جدول أعمال السياسة. ومنذ نهاية التجربة الناصرية، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وتراجع منظمة دول عدم الانحياز وغياب قادتها المؤسسين، أصبح العالم الإسلامي جزءاً من منظومة السيطرة الأميركية على العالم.
– بدأت ملامح نهوض العالم الإسلامي طلباً لدور مستقل مع تراجع القبضة الأميركية على العالم وصعود قطبين جديدين هما روسيا والصين، وبدا أن شعار التوجه شرقاً، كخيار بديل أو رديف للغرب يجمع الدول الفاعلة في العالم الإسلامي، من تركيا واندونيسيا الى باكستان ونيجيريا والسعودية ومصر وإيران، وكان واضحاً أن الدول الساعية للعب دور رياديّ سياسياً على هذا الصعيد هي السعودية وتركيا وإيران، بينما تنشغل الدول الكبرى الأخرى باهتمامات وهموم أخرى، حتى جاء طوفان الأقصى وبدأ يتغيّر وجه العالم، وتظهر المكانة التي حجزتها القضية الفلسطينية في الرأي العام العالميّ، واستطراداً ما أطلقته من مناخات جديدة في الشارع الإسلامي.
– كما ظهرت القضية الفلسطينية ذات دور محوري في صناعة السياسة في العالم الإسلامي، ظهر محور المقاومة بقيادة إيران قوة محورية في رسم مسار الأحداث، ومرّت الأيام والشهور، وبدا أن روسيا والصين تكتفيان بمراقبة ما يجري، وتستثمران على عائداته التلقائية سواء في إنهاك السياسات الأميركية، أو في صرف الانتباه الأميركي عن أولوية المواجهة مع روسيا والصين. وبمعزل عن الأسباب التي تفسر هذا البرود الروسي والصيني، ولو من موقع التعاطف مع نضال الشعب الفلسطيني ومظلوميته، فإن الفراغ الاستراتيجي الدولي هنا ملأته إيران، التي استثمرت وحدها من دون سائر دول العالم الإسلامي، في مكانتها وأموالها وسياستها على تنمية حركات المقاومة ودعمها، معرّضة دولتها لمخاطر حروب واستهدافات وعقوبات، وحصار غربي مديد، يعرف القاصي والداني أنه اتخذ من الملف النووي الإيراني مجرد ذريعة لمعاقبة إيران على موقفها من كيان الاحتلال وإصرارها على المضي بلا تردّد في رعاية وتنمية خيار المقاومة وقواها.
– يأتي مقال وليم بيرنز مدير وكالة المخابرات الأميركية المركزية، (سي آي اي)، المنشور في مجلة الفورين أفيرز، ليكرّس حقيقة صعود إيران إلى المشهد الجيواستراتيجي، كقائد لنهج المقاومة الذي نجح بتمثيل الوجدان الجمعي للعالم الإسلامي خلال الشهور الأربعة من الحرب الأميركية الإسرائيلية على غزة، فعندما يتحدّث بيرنز عن الوقاحة الإيرانية فهو يصف الروح الهجوميّة لإيران، وعندما يقول إن مفتاح أمن «إسرائيل» والمنطقة هو التعامل مع إيران، يعلن إيران الشريك الجيوستراتيجي الذي لا مفرّ من الانخراط معه في التفاوض أو الحروب، على رسم السياسات. يقول بيرنز «إن الأزمة الحالية جعلت النظام الإيراني أكثر وقاحة، ويبدو أن إيران مستعدة للقتال حتى آخر وكلائها، بالتزامن مع تطوير برنامجها النووي ودعمها لحرب روسيا ضد أوكرانيا»، و»أنه مع بدء الحرب بين «إسرائيل» وحماس، أخذ الحوثيون المدعومون من إيران بمهاجمة خطوط الشحن التجارية الدولية، ولا يزال خطر زيادة التوترات على جبهات أخرى قوياً، مستخلصاً «أنه على الرغم من أن أميركا ليست مسؤولة وحدها عن حل أي من المشاكل المعقدة في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يمكن إدارة أي من هذه المشاكل، أو حلها، دون قيادة أميركية نشطة»، ليستنتج «أن مفتاح أمن إسرائيل والمنطقة» هو «التعامل مع إيران».
– المكافئ الاستراتيجي الحاضر لدخول المعادلة الدولية عندما تتم إعادة تشكيل المنطقة على إيقاع القضية الفلسطينية، هو إيران وليس أحداً آخر، رغم محاولات تركيا حجز دور في المعادلة، وهي لم تجرؤ على قطع علاقاتها بـ»إسرائيل» تضامناً مع غزة وأهلها، كما فعلت كولومبيا وتشيلي وبوليفيا. ورغم السعي الأميركي لأدوار مصرية وسعودية، وإيران لا تسعى لاحتكار الدور، وتسعى لدعوة الجميع للانخراط في دعم خيار المقاومة والخروج من أوهام التطبيع مع كيان الاحتلال، لكن وحتى إشعار آخر، فإن الفراغ الاستراتيجي الذي لم تملأه روسيا والصين في مواجهة الدعم الأميركي لكيان الاحتلال سوف تملؤه إيران كقوة عالميّة عظمى رابعة الى جانب أميركا وروسيا والصين مع التراجع الأوروبيّ البائن.

زر الذهاب إلى الأعلى