شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
تحقيقات

أَلبر كامو وماريَّا: رسائل الحبّ الممنوع (2 من 5) بقلم الشاعر هنري زغيب

الحلقة الأُولى من هذه الخماسية كانت مقدمةً تمهيدية لظروف المسيرة العاطفية الجَمُوح التي جمعَت الكاتب أَلبِر كامو بالممثلة المسرحية ماريَّا كازاريس، في علاقة حب عاصفة صوَّرَتْها بشفافيةٍ تامة مراسَلَةٌ بينهما بلغَت 865 رسالة نَجَمَ عنها كتاب في 1312 صفحة.
في هذه الحلقة الثانية مقتطفات من تلك الرسائل.
 
… حتى قبل العرض الأَول
بدأَتِ التمارين على مسرحية كامو “سوء التفاهم”، وماريَّا تلعب فيها دور “مرتا” (الشخصية الرئيسَة). ولكنْ… قبلما وصَلَ موعدُ العرض الأَول (24 حزيران/يونيو 1944) كان الحب وصَلَ بعاصفته الجامحة بين أَلبِر وماريَّا، بدليل هذه الرسالة التي كتبَها لها في الأَيام الأُولى من التمارين:
الخميس، الساعة 10:00 ليلًا (حزيران/يونيو 1944)
حبيبتي ماريَّا، قرأْتُ الآن كلماتِكِ الغالية، ويأْخذُني إِليكِ اضطرابٌ بي غريب. كنتُ أَظُنُّ أَننا نكتب أَحيانًا هذه الكلمات العاشقة تلقائيًّا بعد حركةٍ ما، أَو نظرةٍ ما، دون أَن نعنيها تمامًا. وأَقنَعْتُني أَنْ ثمةَ كلماتٌ لن تكتُبيها لأَنكِ لا تحسّين بما فيها. أَما وأَنتِ كتَبْتِها، فأَشعرُ أَنني سعيد. نعم… أَنا سعيد يا ماريَّا. معقول أَن أَكون سعيدًا هكذا؟؟ ما يضطرب بي هو نوع من فرَح مجنون. لكنني، في الوقت ذاته، يُربكُني ذَهابُكِ، وهذا الحزنُ في عينيكِ وأَنتِ تنسحبين من أَمامي. صحيح أَنَّ ما يَبْلُغُني دومًا منكِ: مذاقٌ بين السعادة والقلَق. إِن كنتِ تحبِّينَني كما تعبِّرين لي، علينا أَن نحصدَ أَمرًا آخَر: هو وقتُ أَن نَذُوق حبَّنا، وأَن نصمِّم عليه قويًّا وطويلًا كي نَعبُرَ فوق جميع الصعوبات.
تُقْلِقني هذه الرؤُية الصافية التي ادَّعيْتِها لِيَ الليلة. حين تخفُق فينا المشاعر، نميل أَن نسمِّي صفاءً ما يثيرنا، وحقيقةً ما يخدُم توقَنا وشغَفَنا. لكنَّ هذا الصفاءَ أَعمى كسواه، ولا أُؤْمن إِلَّا برؤْية واحدة هي التي تؤَدّي إِلى السعادة. والسعادة أَيًّا تَكْن – قصيرة أَو مهدَّدة أَو هَشَّة – هي دومًا جاهزةٌ لنا، تنتظرُنا إِن مَدَدْنا لها يَدَينا. لذا يجب أَن نَمُدَّ لها يَدَينا.
بدأْتُ أَنتظر منذ الآن وجهَك يهلُّ عليَّ غدًا. هذا المساء (خلال التمارين) كنتُ متعَبًا جدًّا فلم أُكلِّمْكِ عن قلبي الذي تَجعلينَه أَنتِ يفيض رقَّةً. الوقتُ الوحيدُ لنا وحدنا كي أَلتقيكِ فيه بلا جهد، هي الساعات التي أَسكُت فيها فتَشُكِّين بحقيقة سُكوتي. ولكنْ ما هَمّ: قلبي ممتلئ بكِ. إِلى اللقاء يا حبيبتي، وشكرًا على كلماتكِ التي ملَأَتْني فرحًا. شكرًا على روحكِ التي أُحبُّها لأَنها تعرف أَن تُحِبّ.
أَبوسُكِ بكُل ما بي.
أَلبِر.
“إِليكِ يا ماريَّا، عُبورًا جميعَ الأَزمنة – أَلبِر”
 
قبل التمرين وفيه وبعده
 
الواحدة فجرًا (حزيران/يونيو 1944)
صغيرتي ماريَّا
وصلْتُ الآن إِلى البيت. لا أَشعر بالحاجة إِلى النوم بل بِرغبة أَن تكوني حَدِّي فلا أُضطرّ أَن أَنتقل إِلى طاولتي لأُخاطبكِ كما أَستطيع. لم أَجرُؤْ (الليلة خلال التمارين) أَن أَقول لمرسيل (مرسيل هيران مخرج المسرحية) أَنْ لا رغبةَ لي في منادَمَته هذا المساء. كنتِ مُحاطَةً بكثيرين حولَكِ. بعد نصف ساعة تعبتُ منهم، ولم أَعُد أُريدُ إِلَّاكِ. تعلَّقْتُ بكِ جدًّا هذا المساء يا ماريَّا، أَحببتُكِ وأَنا أَراكِ، وأَنا أَتأَمَّلُكِ، وأَنا أَسمعُكِ، وأَنا أُنصِتُ إِليكِ، وأَنا أُصغي إِلى صوتكِ الذي لم أُعُد أُريد أَن أَسمع سواه في الجمْع عند مرسيل. ما عُدتُ أَستطيع أَن أَقرأَ مسرحيَّتي (“سوء التفاهم”) بدون أَن أَسمعَكِ تؤَدِّين دَور “مرتا”. هكذا أُحبُّ أَن أُحسَّ، كي أَكون سعيدًا معكِ.
أُحاول أَن أَتخيَّل ما تفعلين الآن، وأَتساءَل باستغرابٍ لماذا لستِ معي الآن هنا. القاعدة الطبيعية، القاعدة الوحيدة التي أَعرفها – قاعدة الولَع في الحياة – هي أَن تعودي معي غدًا مساءً إِلى هنا، فنختمَ سهرتَنا معًا كما نكون بدأْناها معًا. أَعرف أَنَّ هذا لن يكون، وأَن الأُمور ستجري غيرَ ذلك.
إِنما على الأَقل لا تنسَيني حين نفتَرق، ولا تنْسَي ما قلتُه لكِ بالتفصيل هنا عندي قبل أَيام، قبل أَن يندلعَ بيننا البركان. يومها صارحتُكِ من أَعمَق قلبي أَنَّ رغبتي هي أَن نكون معًا، أَنتِ لي وأَنا لكِ. وقلتُ لكِ أَنْ هذا ما يجب أَن يحصل. لا تَتركيني. أَسوأُ ما يمكن أَن أَتخيَّله: أَن تتركيني فأَخسرَكِ. وما الذي يمكنني أَن أَفعل بعد اليوم، بعيدًا عن وجهكِ الذي كلُّ ما فيه يقْلب كياني، وبدون صوتِكِ الذي يُذيبني، وبدون جسدك الذي تَـمنَحينِيه.
ليس هذا ما كنت أُريد قولَه لكِ الليلة (أَثناء التمارين) بل هي رغبتي في أَن تكوني الآن هنا معي.
هنيئةٌ ليلتُكِ يا حبيبتي. عسى غدًا يأْتي سريعًا، ومعه الأَيامُ المقبلة التي ستكونين منصرفةً فيها إِليَّ وحدي أَكثر مما تنصرفين إِلى مسرحيتي.
أَبوسُكِ بكلّ قواي.
أَلبِر
أَلبر وماريا مع جان لويس بارو مُخرج مسرحية “حالة طوارئ” لكامو (1948)
 
 
لا تنسَيني
الساعة 4 بعد الظهر (حزيران/يونيو 1944)
لا أَعرف إِن كنتِ تفكّرين أَن تهاتفيني. في هذه الساعة من النهار لا أَعرف أَين أَنتِ وكيف أَتَّصلُ بكِ. لا شيْءَ محدَّدًا عندي أَقولُه لكِ سوى هذه الموجة العاصفة التي تحملُني إِليكِ منذ البارحة، وهذه الحاجة أن أَثِقَ بكِ وأَن أُحبَّكِ. أَشعر أَنَّ وقتًا طويلًا مَرَّ ولم أَكتُب إِليكِ.
إِذا قرأْتِ الليلة هذه الرسالة حين تعودين، هاتِفيني. لا تَنْسَيني من اليوم حتى السبت. فكِّري بي طوال هذه الأَيام الآتية. ولْتَشعُري أَنني حدَّكِ على مَرِّ الدقائق. إِلى اللقاء السبت يا حبيبتي، يا حبيبتي الغالية. أَبوسُك كما أَمس.
أَلبِر.
ماريَّا كازاريس: ساهمةٌ تفكِّر بِهِ  
  
في الحلقات المقبلة: مقتطفات أُخرى من الرسائل
المصدر: بيروت- النهار العربي
زر الذهاب إلى الأعلى