ثقافة ومجتمع

في دولة الإمارات العربية المتحدة لؤلؤة الصحراء

كانت زيارتي لدولة الإمارات العربية المتحدة بعد أكثر من خمس سنوات، زيارة عربية لدولة عربية شقيقة بعد سنوات الحجر المفروض علينا، خوفا من خطر كوفيد 19، الذي أجبرنا على توقيف أنشطتنا الثقافية المعرفية في لبنان، والتي أنهيناها في العام 2019، بإطلاق مهرجان المبدعات العربيات الأول من لبنان والثاني من مصر، وكنا نهيّء لإقامة المهرجان الثالث في دولة الإمارات العربية المتحدة.  لهذا كانت زيارتي لدولة الإمارات التي ابتدأت في إمارة دبي، ومن ثم في إمارة أبو ظبي وبعدها في إمارة رأس الخيمة وصولا إلى إمارة الشارقة مدينة العلم والثقافة والمعرفة بامتياز، زيارة مهمة أطّلعت خلالها على التطوّر السريع الذي تعيشه تلك الدولة القابعة في وسط الصحراء، والتي كانت تضم مضارب قبيلة كنده، وشاعرها إمرؤ القيس أحد أصحاب المعلقات السبع الذي قال في مطلعها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْمَلِ
وصلت إمارة دبي أولا، ويا لهول ما رأيت، دولة تكللها الزهور من كل جانب في كل الإمارات، فأينما تجوّلت لا يشبع نظرك من رؤية مساكب الزهور على اختلافها، إلى جانب تطوّر ملحوظ في جميع نواحي الحياة، في الأمن والأمان والعيش المنظم.
لجهة الأمن: لا يوجد من يعطّل مسيرة الدولة ويضع العراقيل المخرّبة، بل الجميع تحت القانون والكل منتظم في العمل الذي ينظمه القانون الذي هو فوق الجميع، فالمواطن يعمل والوافد يعمل، والكل هدفه مصلحة البلد العليا، حيث لا سياسة تعطّل بل الحاكم والوزراء المختصين هم في خدمة الوطن والشعب، لا تناقض يحكمهم ويخرّب مساراتهم، ولا طائفية تشرذم أعمالهم، ولا أحزاب طائفية تهدم، بل الكل بمختلف انتماءاتهم يعملون لصالح الوطن، الذي منحهم الأمان والأمن والعيش الهنيّ.
 للوهلة الأولى أحسست أني في أميركا، وأنا أزورها بشكل دائم، كوني حاصلة على الإقامة الدائمة التي تعتبرني أميركية، لكن دون حق التصويت، حتى الحصول على الجنسية التامة، حينها يكتمل إنتمائي لتلك الدولة التي منحتني وستمنحني ما لم يمنحني إياه وطني من الحقوق.
لقد قارنت بين الدولتين، دولة الإمارات ودولة الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا بعد زيارتي للعاصمة أبو ظبي وللشارقة ورأس الخيمة، بعد إمارة دبي طبعا، التي كانت محطتي الأولى، فوجدتهم لا يختلفون إطلاقا في مسار الحضارة والرقيّ لجهة احترام خصوصية الناس الآتية من بلاد مختلفة، فالآسيوي والأفريقي لهم أسواقهم الجميلة، واللبناني له مطاعمه التي لها نكهة خاصة مميّزة بتنوّعها ومازاتها، التي تُعدّ ولا تحصى، والشعب الإمارتي شغوف بكل ما هو لبناني، وكل دولة من الدول الآسيوية أو الأوروبية أو حتى الأميركية لها أماكنها وصالاتها التي تعرض فيها أهم ما ينتج في بلادها، لدرجة تظن أنك قمت بزيارة العالم كله وأنت في هذا البلد العربي المنفتح على كل العالم.. والشرط الوحيد المطلوب من الوافدين إليه للعمل المتيسر لكل صاحب كفاءة أي كانت، هو عدم التدخّل بشؤون البلد السياسية أو الاجتماعية، فلكل عاداته وتقاليده، والكل منتظم ضمن هذه الدولة التي تؤمّن لهم كل شيء من العمل، إلى الإقامة، إلى العيش الكريم، إلى الطبابة، إلى التعلم.. وهكذا دواليك، لذا تشعر بالأمان وبأن حقوقك هناك مَن يحميها ويصونها دون أي اعتراض أو تدخّل بشؤون ديانة الإنسان، فالله رب العالمين، وهم بحرصهم على الجميع المنتج والفاعل بجديّة وإخلاص واحترام للقوانين من أجل خدمة دولة الإمارات، يعتبرونه مواطنا صالحا، وجديرا بالعيش معهم له كل الحقوق كما عليه كل الواجبات، التي تنظم الحياة في تلك الدولة الحضارية القابعة في قلب الصحراء.
بعدها توجهت إلى إمارة أبو ظبي، ولشدّ ما كانت دهشتي وأنا أقوم بزيارة الاتحاد النسائي في إمارة أبو ظبي، المبنى الضخم القائم على مساحة واسعة من الأرض، وهو مؤلّف من عدة طبقات، وفيه موظفات لكل واحدة منهن عملها وهنّ يقمن بواجبهن من خلال اختصاصاتهن، أما الأمينة العامة للاتحاد التي استقبلتني فهي الدكتورة نورا السويدي السيدة الدمثة في أخلاقياتها الرفيعة، والتي رحّبت بي كلبنانية عربية من البلد الذي يحبّه الإماراتيون وكل العرب، وكان أول سؤال لي: كيف حال لبنان؟ هذا البلد العزيز علينا جدا ونعتبره بلدنا ولنا فيه بيوت وإقامات، تحدثنا مطوّلا عن لبنان ثم هنّأتها بهذا الاتحاد الذي أسّسته وترعاه وتترأسه سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك أم الإمارات، كي يكون سندا للمرأة، معالجا همومها ومشاكلها، ومطمئنا على سير حياتها العملية والبيتية أو أية مشكلة قد تتعرّض لها، ليس فقط في الإمارات بل عند العرب قاطبة.
أما زيارة إمارة الشارقة فقد بدأت بناء على موعد، فقد اتصلت بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، وطلبت موعدا لزيارة رئيسته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي زوجة حاكم الشارقة، وجاءني الرد سريعا بأنه يمكنني التقاء الأمينة العامة للمجلس الدكتورة خولة بنت عبد الرحمن الملا، بسبب سفر سمو الشيخة جواهر. وصلت في الموعد المحدد إلى الشارقة، حيث مقر المجلس الأعلى لشؤون الأسرة. استقبلتني الدكتورة خولة وعدد من الأخوات الفاعلات اللواتي يعملن معها في المجلس بكل جهد ومصداقية وإندفاع ووطنية، وهن من أهل الاختصاص، فمنهن المهندسة والدكتورة والأديبة الروائية والمشرفة على مجلة تصدر عن الدار هي مجلة «مرامي»، والمخرجة المسرحية والملحنة لمسرحيات الأطفال، وكلهن يعملن من أجل بناء أسرة متماسكة في قيمها وأخلاقياتها وثقافتها، من أجل إيجاد جيل قوي متمكن، يحافظ على ما حافظ عليه الأجداد والآباء والأمهات من قيم ومثل، مطعّمة بما تضخّه العولمة من أفكار ومعلومات جيدة تناسب عاداتنا وتقاليدنا حيث لا خروج عنها، وتكون في خدمة المجتمع ككل، لأن تكوين الأسرة هو الأساس كما قال سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، الذي يهتم اهتماما خاصا بالتعليم والتربية وبكل ما يخص الأسرة في هذه الحياة، كون الأسرة عماد المجتمع كما هي وصيته الدائمة وتـوجيهاته، التي يعمل الجميع من أجل تكريسها.
أما إمارة رأس الخيمة فهي الإمارة التي تجاور مدينة مسقط، وتتصل معها بسلسلة جبال صخرية ولا أجمل، لهذا اهتمت هذه الإمارة بإقامة معامل الأسمنت وتصديرها، وهي إمارة تبعد عن دبي حوالي 150 كلم، عبر أوتوستراد يتسع لأربع سيارات ذهابا وأربع إيابا، فلا تشعر أنك في خطر الطريق، وشبكة الطرقات في دولة الإمارات لا مثيل لها إلّا في الدول العظمى، وجميعها مضاءة بالكهرباء، التي بتنا نفتقدها في وطننا لبنان منذ حلَّ علينا كل من تاجر بها وأفسدها.
دخلت قرية زايد التراثية القائمة في رأس الخيمة، وأنا عضو فيها، وكان من الواجب عليّ أن أتعرّف بمن أقامها ونظّمها وفعّلها، وجعلها متحفا تراثيا ومعلما سياحيا ومقرّا للندوات الأدبية والأمسيات الثقافية، السيد العميد سعيد علي لحه الشحي، الذي تلقّى علومه في لندن، وعندما انتهت مهمته العسكرية أقام هذه القرية النموذجية التي يزورها حكّام الإمارات في كل مناسبة، كما أفراد الشعب والزوار من مختلف البلدان العربية والأجنبية، كي يتعرّفوا عن كثب على كل ما تحويه تلك القرية من مخطوطات ومكتبة تحوي عشرة آلاف كتاب وعنوان، إضافة إلى الأسلحة القديمة وكل ما له علاقة بتراث الإمارات، حتى أنني لاحظت وجود الأواني الخزفية المزيّنة برسومات مختلفة إلى جانب الأواني النحاسية والفضية، وكنا نظن أن الصحراء كانت خاوية من هذه الأواني الجميلة والرائعة بزخرفاتها، لكن تبيّن لي أن كل ما جمع ووضع في تلك القرية، يدلُّ على تاريخ عريق لدولة الإمارات، وقد استمر تجوالي بالقرية مع العميد سعيد الشحي قرابة ثلاث ساعات، كرّمني بعدها بدرع القرية الذي حملته وأنا فخورة بما كُتب عليه: أصالة الماضي وعزّ
كما أنني قمت بزيارة الصديقة الدكتورة موزه غباش، صاحبة رواق غوشة الثقافي، وهي الباحثة والكاتبة والدكتورة الجامعية والناشطة ثقافيا على مستوى الإمارات والعالم العربي، في منزلها القائم في العرير، واستضافتني على مائدة الغداء، وهي عضو معنا في ملتقى المبدعات العربيات، تداولت معها بإقامة لقاء المبدعات العربيات الثالث في دولة الإمارات وقد زوّدتني بمن يلزم كي أتصل بهم لمساعدتي في إقامة هذا الحدث الذي يضوّي على المرأة العربية وإبداعاتها، ومن أوْلى بدولة الإمارات كي نقيم بها هذا الاحتفال الذي تلقّفته مصر بكل العناية والرعاية على أمل انتقاله إلى كل الدول العربية.
كما انني قمت بزيارة مجمّع جمعة الماجد للثقافة والتراث، وهو صديق عزيز ويوجد بيننا تبادل معرفي وثقافي، والتقيت مديره الدكتور أنور الظاهري، والسيد جمعة الماجد من رجالات الإمارات الذين ساهموا ببعث نهضتها عبر إقامة جامعة خاصة ومدارس ومركز للأبحاث والمخطوطات والوثائق القديمة، وله أثر كبير في تعزيز الفكر والمعرفة في إمارة دبي.
إضافة أنني قمت بالاتصال بالدكتور إبراهيم الهاشمي، مدير مؤسسة الشيخ سلطان العويس، وأودعت لديه بعضا من مؤلفاتي، واعتذرت لعدم تمكّني من حضور حفل توزيع الجوائز على الفائزين بجائزة الشيخ سلطان العويس، ومنهم الشاعر اللبناني إلياس لحود.
بصريح العبارة، لقد أدهشتني دولة الإمارات، لؤلؤة الصحراء، التي تضم سبع إمارات لكل منها حاكم يرعى شؤونها ونهضتها ورقيّها، فالمتاحف والأماكن التي تُزار في أبو ظبي: أهمها متحف اللوفر وهو قائم في الحي الثقافي، أما الجامع الكبير فحدّث ولا حرج لضخامته وروعته، إضافة إلى الأماكن السياحية التي تنتشر فيها المطاعم والموسيقى المتنوعة والمولات الكبرى والجامعات والمدارس الخاصة والعامة وكلها تطبّق نظام الدولة حيث المنهج واحد موحّد، والمستشفيات المجهزة تجهيزا متطورا، أضف إليها أماكن التطعيم للقاح كوفيد 19 المتوافر أينما كنت وبأسعار متدنية، كل هذه نجدها كذلك في دبي التي بَنَتْ أطول برج في العالم وهو برج خليفة، ويا لروعة الصور التي تعرض عليه بطرق مبتكرة تشدّ المشاهد، كما تشدّهم المياه الراقصة على عزف الموسيقى، كما حديقة الزهور الرائعة والواسعة جدا، كما المتاحف وقد أقيم فيها حديثا متحفا لم نستطع مشاهدته لأن البطاقات محجوزة لمدة ثلاثة أشهر من تاريخه.
أما في إمارة الشارقة فلا تسلْ عن الجامعات التي أقامها سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة والمدارس ومعرض الكتاب الذي يقام بشكل دائم في إمارة الشارقة، ودار القضاء البديع في هندسته، إذ أنهم يهتمون بكل الأمور الحياتية من تعليمية ومعرفية وتثقيفية، وليس فقط بناطحات السحاب التي أصبحت من معالم دولة الإمارات، الحقيقة أنني دهشت بما آلت إليه إمارة الشارقة من تطوّر سريع. كذلك تم تحويل الأحياء القديمة في دبي إلى معالم ثقافية وتراثية وسياحية تدهشك بنظافتها وعدم وجود السيارات فيها، إذ تتجول داخلها وأنت مرتاح من عجقة السيارات، فهي تحوي اتحاد الكتاب واتحاد الفنانين ومعارض الرسم والموتيلات والمطاعم والأسواق التراثية لمختلف البلدان، وساحات الطيور التي لا تخاف الإنسان لأنهم يهتمون اهتماما بالغا بأمن الطيور، حيث كنت أسمع زقزقة العصافير وهديل الحمام أينما تجولت، إضافة إلى معرض إكسبو 2020 الذي بهر العالم واستقطب الزوار من كل أنحاء الكون، والذي برعت دبي في تقديمه للعالم أجمع كأحسن ما يكون من حيث التنظيم والإعداد على مساحة واسعة من الأرض، وتنظيم الدخول والخروج منه بوسائل متطورة جدا، إضافة إلى وجود العديد من وسائل الراحة من عربات داخل المعرض من أجل المعوقين والذين لا يقدرون على المشي كله متوفر، لدرجة أن الزائر باستطاعته التعرّف على تراث وحضارات 192 دولة ومنها لبنان.
بصريح العبارة دولة الإمارات العربية المتحدة هي دولة عربية عُرف مؤسّسها، وهو القائد الراحل سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بجهده وفكره وما امتلكه من قوة وحكمة، تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت لؤلؤة الصحراء ومن أرقى دول العالم قاطبة، والانموذج في الأمن والأمان، وهو الذي استعمل الثروة النفطية، التي منَّ الله عليهم بها، لمساعدة كل الإمارات عبر تعزيز نهضتها وتطوّرها وكان يؤكد بقوله: «إن الثروة ليست ثروة المال بل هي ثروة الإنسان، فهو القوة الحقيقية التي تشكّل لنا إعتزازا وفخرا»، لهذا ساعد جميع المسؤولين على الاهتمام بتطوير إماراتهم ببناء الإنسان أولا قبل بناء الحجر، فالسواعد هي التي تبني، والعقول هي التي تفكّر وتضع الخطط، وتأتي بعدها الثروة التي تساهم في البناء بكل إخلاص وتفانٍ.
بصريح القول، شعرت بالاعتزاز وأنا أشاهد وألمس عن قُرب ما آلت إليه دولة الإمارات العربية المتحدة، وما عمل عليه حاكمها سمو الشيخ خليفة بن زايد وولي عهده سمو الشيخ محمد بن زايد ورئيس الحكومة سمو الشيخ محمد بن راشد وباقي حكام الإمارات، حيث تم إتفاقهم على جعل بلدهم متطوّرا من كل النواحي العمرانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث لا يطغى أحدهم على الآخر، بل يعملون من ضمن وصية الأب الكبير المرحوم الشيخ زايد بن نهيان الذي أسّس لهذه الإنطلاقة المتميّزة بالتعاضد والتكاتف والقلب الواحد لبناء دولة الإمارات العربية المتحدة.
زر الذهاب إلى الأعلى