أخبار لبنان

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالوصية التي نقلها الإمام الكاظم عن آبائه(ع) عن الحسين(ع): “أنه جاء رجلٌ إلى أميـر المؤمنين(ع) يسعى بقوم، فأمرني أن دعوت له قنبراً، فقال له عليّ(ع): اخرج إلى هذا السّاعي، فقل له قد أسمعتنا ما كره الله تعالى، فانصرف في غير حفظ الله تعالى”..
لقد أراد الإمام(ع) من وصيته هذه أن لا نكون نمامين، فإذا سمعنا من أحد كلاماً مسيئاً عن شخص أو جهة لا ننقله إلى ذلك الشخص أو تلك الجهة، والذي من الطبيعي أن يكون سبباً في حدوث مشكلات أو تفاقمها، بين من نقل عنه ومن نقل إليه، وسبباً في حدوث نزاعات أو توترات وحتى سقوط دماء وغير ذلك..
ويتحمل الناقل بسببها مسؤولية كل التداعيات التي يؤدي إليها هذا النقل، وهذا ما أشار الحديث إليه: “يؤتى يوم القيامة للإنسان بقارورة فيها دم، فيقال له هذا نصيبك من دم فلان، فيقول: يا رب لم أقتل ولم أجرح، لكن يقال له نقلت كلمة من إنسان لإنسان فتسبّبت في جرح أو قتل أنت لك نصيب منه ونصيبك هو الأكبر..
فلنستوصي بوصية الإمام، بأن نكون عندما ننقل أن نكون ناقلي محبة وإصلاح وكل ما فيه خير للآخرين مما جاء في قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ…}..
وبذلك نقلل من النزاعات والخصومات والفتن، ونكون أكثر وحدة، وبالتالي أكثر قدرة على مواجهة التحديات..
والبداية من الحرب التي اشتعلت بين أوكرانيا وروسيا، والتي تؤشر إلى مرحلة جديدة قد تعيد العالم إلى منطق الحروب المباشرة بين الكبار بكل تداعياتها وآلامها..
ونحن في هذا المجال، في الوقت الذي نخشى من تداعيات هذه الحرب وآثارها على استقرار العالم واقتصاده، فإننا نأمل أن تكون باباً لمزيد من الوعي للذين لا يزالون يراهنون على الدول الكبرى لحماية أمنهم ومصالحهم، وأن يعوا أن هذه الدول سرعان ما تخذلهم عندما ترى أن مصالحها ومصالح شعوبها لا تقتضي ذلك، فهي دائماً تريد للدول المستضعفة أن تكون بقرة حلوب لمصالحها، وليكن رهانهم دائماً على قوتهم ووحدتهم ووعيهم حتى لا يكونوا وقوداً لصراعات الكبار على أرضهم ويكتووا بنارهم.
ونعود إلى الداخل اللبناني، حيث يستمر الوضع الاقتصادي والمعيشي والحياتي بالتأزم، وتزداد معه معاناة اللبنانيين من دون أن يبدو أي أفق للحلول، بعد أن أصبح واضحاً وبما لا يدع مجالاً للشك أن لا مساعدات ستأتي من الخارج لإخراج البلد من أزماته في ظل الواقع الموجود، وهي بالطبع لن تأتي ممن يديرون الواقع السياسي بعدما فشلوا في إدارة البلد في سياسته واقتصاده، وإذا كان من حلول فهي كما جرى سابقاً ويجري الآن بمد أيديهم إلى جيوب اللبنانيين عبر ضرائب مباشرة وغير مباشرة.. من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن سبل لحلول أخرى لعلاج أزمات اللبنانيين أو على الأقل للتخفيف منها وخاصة عندما تكون على حسابهم..
ولعل من المؤسف هنا أن ما يجري على صعيد خطة الكهرباء، فبرغم التكلفة الباهظة التي تتكلفها الخزينة في هذا القطاع، فإنه حتى الآن ليس هناك من خطة واضحة يتم التوافق عليها لكيفية علاج مشكلات هذا القطاع، بل نرى استمراراً للتجاذب الحاد بين الأفرقاء المعنيين حولها بما يؤخر إنجاز هذه الخطة التي قال الاقتصاديون أن التأخر فيها يكلف أكثر من سبعين مليون دولار كل شهر..
ونحن أمام كل هذا الواقع، نعيد دعوة اللبنانيين إلى التكاتف والتوحد في ما بينهم لمعالجة أزماتهم، وأن لا يسمحوا للعاملين على إيجاد الشرخ للعبث بهذه الوحدة أن يجدوا طريقاً لهم، من خلال إثارة العناوين الخلافية التي يراهن البعض عليها ويراها الطريق لشد عصب الجمهور خلفه وكسب الأصوات في مرحلة الانتخابات..
إن على اللبنانيين أن يكونوا أكثر وعياً ومسؤولية، بأن يقولوا لكل هؤلاء: لقد تعبنا من هذه اللغة التي اتقنتموها بإثارة الحساسيات بين اللبنانيين أو بتخويفهم من بعضهم البعض من دون أن تأخذوا في الاعتبار تداعياتها على اقتصاد البلد وأمنه.. إن الطريق إلينا لن يمر إلا عندما نرى برامج ونرى أكفاء صادقين في العمل لتحقيقها..
في هذا الوقت، يستمر العدو الصهيوني بالعمل على إرباك الساحة الداخلية والعبث بأمنها واستقرارها والعلاقة بين مكوناتها، من خلال تجنيد عملاء له يعملون على هذا الصعيد..
وهو يستفيد في ذلك من الوضع الاقتصادي الصعب والاحتقان الداخلي الذي يعاني منه هذا البلد، ما يتطلب منا الدعوة إلى تحصين الساحة الداخلية على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وبالكف عن الخطاب الذي يدفع بالبلد إلى انقسامات حادة تؤمن حاضنة خصبة لهذا العدو..
ونحن في الوقت نفسه ندعو مجدداً إلى الكف عن إثارة علامات الاستفهام حول أي مظهر يساهم في تعزيز القوة في مواجهة عدو لا يزال يتهدده في الجو والبحر والبر، وأن نعتز بالأيادي التي تعمل في الليل والنهار لحماية هذا البلد وعدم المس باستقراره، بعيداً من دهاليز الصراعات الداخلية والطائفية..
ونبقى على صعيد الإنجاز الذي حققته شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في كشف الشبكات الإرهابية، لننوه بهذا الإنجاز الذي منع من حصول كارثة كانت ستحصل باستهداف مراكز دينية وإلحاق أكبر قدر من الأذى والضرر في مناطق لبنانية عدة. والذي يضاف إلى سجل إنجازات القوى الأمنية اللبنانية في منع أعمال إرهابية سابقة ومن هنا فإننا ندعو إلى دعم القوى الأمنية وتعزيز قدراتها للقيام بدورها لتبقى العين الساهرة لحماية الوطن واستقراره وسلمه الأهلي على مستوى الداخل والخارج..
وأخيراً إننا ننوه بكل الدعوات التي تحث اللبنانيين على الحوار وآخرها ما صدر عن حاضرة الفاتيكان.. إننا نأمل أن يستجيب الجميع لهذه الدعوات حيث لا بديل للبنانيين لحماية بلدهم واستقراره على كل الصعد إلا الحوار وصولاً إلى التفاهم والتعاون…

زر الذهاب إلى الأعلى