اصدارات

ندوة حول كتاب كنيسة المختارة بين الكرسي والدارة وكلمات عن تاريخ العلاقة بين الدروز والموارنة

وطنية – نظمت الحركة الثقافية- انطلياس ندوة حول كتاب عيد بو راشد “كنيسة المختارة بين الكرسي والدارة صفحات من تاريخ الدروز والموارنة”، شارك فيها المحاضران أنيس يحيى والدكتور جان نخول وأدارها الدكتور ناصيف قزي، في مركز الحركة – دير مار الياس- انطالياس.

بداية تحدث الدكتور قزي فقال: “أن نتحدث عن كنيسة سيدة الدر، كنيسة بلدة المختارة، مسقط آل جنبلاط، وعن دور هؤلاء التاريخي في الجبل، وعلاقتهم بالموارنة، منذ القرن الثامن عشر حتى يومنا.
أن نتحدث عن تاريخ الدروز والمسيحيين على مدى قرون طوال، وعن التآخي و”العيش معا”… وتقاسم الأراضي وبناء الأديرة وأماكن العبادة، وما إلى ذلك من إيجابيات وحسنات.
أن نتحدث عن الكنيسة المارونية وتحالف الإقطاع… وعن العامة من المسترزقين.
وأن نتحدث عن الجبل، والفتن والنكبات… من أحداث القرن التاسع عشر المؤلمة (1840 و1845 و1860) والإشكالات والإلتباسات… إلى “حرب الجبل” (1983- 1985)… والمراجعات… والمصالحات، مرورا بأحداث العشرينات، وما كان للست نظيرة (جنبلاط) والمطران أغسطين (البستاني) من دور محوري في حقن الدماء ووقف البلاء.
أن نتحدث عن مصالح الدول وتدخلاتها والنزاعات… والأطماع، وعن دخول ابراهيم باشا إلى جبل لبنان وخروج العثمانيين منه… وتأجيج الفتن والصدامات.
أن نتحدث عن إمارة تخاصمت مع ذاتها غير مرة… لتمسي إمارة من وجع.
وأن نستقدم، لذلك، كما لا يستهان به من الوثائق والرسائل والشهادات، التي لا يعرفها سوى أصحابها، وربما بعض المدونين والمؤرخين، وألا نستثتني مصدرا أو مرجعا مفيدا لم نذكره في بحثنا، فهذا يعني أننا، ونحن نفعل ذلك في الزمن الوطني الصعب، زمن القطيعة والإنهيار والتعثر والوباء. هذا يعني، وبدون أدنى شك، أننا، وبكشفنا هذه الحقائق في كتاب مرجعي شامل، قد نضمد جراحا، ونمسح دموعا، ونفتح قلوبا على غد، نخشى أن تخط معالمه بهلوانيات المرحلة الكارثية التي نعيش، في خضم السياسات الإقليمية والدولية الجائرة… فلا يبقى لبنان…!؟ طبعا، دون أن ننتقص من قيمة الكتاب العلمية (بالرغم من أن لنا ملاحظات كثيرة على الدراسة، لجهة المنهجية المتبعة، والشكل، وطريقة استعمال الوثائق والمستندات… والتكرار إلخ…)، الذي قد يكون، في الأساس، وعلى ما يبدو لنا، رسالة جامعية، بل دراسة أكاديمية… وبهذه الصفة، قد يأخذ، لدينا، قيمة مضافة… إنه موسوعة وثائقية لحقبة من الزمن حافلة بالأحداث والتحولات”.

ولفت الى أن الكتاب “توثيقي” في “أربعة أقسام، بل مراحل تاريخية، تمتد من العام 1730 حتى يومنا”.
وقال: “يخرج هذا الكتاب عن عنوانه الأول ليتحول، وفي سياق تاريخي دقيق، إلى مصنف يروي تاريخ العلاقات بين الدروز والموارنة بحلوها ومرها… من خلال وثائق استقدمها الكاتب من مصادر عدة، وبصورة خاصة من أرشيف أبرشية صيدا ودير القمر المارونية… وأحبارها وكهنتها الذين ربطتهم علاقات مميزة بدارة آل جنبلاط في المختارة”.

أضاف: “أن نتذكر يعني أن نأخذ العبر…!؟ ليس كتاب عيد بوراشد،كاهن رعية المختارة، إفشاءا لسر اعتراف لم يحصل؛ إنه، وحسب ظننا، فعل تماه مع شعائر ال Mea culpa الجنبلاطية… بل المراجعة التي طالما تفوه بها وليد جنبلاط جهارة، والتي لم يسبقه عليها أحد – وربما لم يعقبه أحد – من أمراء الحرب وسلامهم المقطوع”.

وأشار الى أنه “لا بد من التعرف إلى الماضي وأحداثه. لكن لا بد من وضع هذه الأحداث في إطارها الصحيح… تماما كما فعل الكاتب… لفهمها على حقيقتها… قبل محاكمتها والإسراف في الإجتهاد والتأويل”. وقال: “هذه مهمة، يفترض أن يقوم بها “كتاب التاريخ” المدرسي، الكتاب الموعود… ليقص علينا “أحداث الجبل” في القرنين الماضيين، مبرزا حقيقة العلاقة المتفجرة بين البشيرين: بشير جنبلاط وبشير الشهابي، والتي تحملنا تبعاتها، نحن أبناء الجبل، ولا نزال حتى الساعة… وكأن كل الأحداث اللاحقة قد توالدت من تلك اللحظة… لحظة محاكمة بشير جنبلاط وإعدامه… وحكاية قدوم ابراهيم باشا إلى لبنان، وتحالفه مع الأمير بشير الثاني في وجه العثمانيين. طبعا دون أن ننسى دور بريطانيا وفرنسا وحاضرة الفاتيكان، عاصمة الكثلكة… ودون أن نعرج على “سيدة الجبل” الأخرى (طبعا بين مزدوجين)، آنذاك، السيدة الملتبسة، الليدي ستناهوب… المرأة التي قدمت إلينا في تلك الفترة من سبط، رئيس وزراء بريطانيا، وعشعشت بلدة جون، لتزرع الألغام في مجتمعنا، مع باشوات الدولة العثمانية، أمام نابوليون القادم إلينا من بلاد النيل. تماما كما فعل جيش الإحتلال الإسرائيلي لتأجيج حرب الجبل عام 1983… والأميركيون في التشويش على أجهزة الجيش لإسقاط اللواء الرابع عام 1984… وترك المسيحيين لقدرهم في إقليم الخروب وشرق صيدا عام 1985، بعد انسحاب “القوات اللبنانية” من الجبل. هي جملة أسئلة لم تلق من مسؤولي تلك المرحلة أي جواب”.

وختم: “إن طموحنا في هذا الزمن الأپوكاليپتي، ألا تبقى أجيالنا أسيرة قناعات مبنية على مغالطات وأوهام، تدفعنا، كل ما دق الكوز بالجرة، إلى جلد أنفسنا حسب اتجاه الريح”.

يحيى
ثم تحدث يحيى فاعتبر أن “الجماعتين الدروز والموارنة استهلكتا التاريخ بما يكفي”. وقال: “إتكأ الموارنة عندما هاجروا الى الشوف، بلاد الدروز آنذاك، على الدروز. وتتالت الأدوار وتتالت بالتالي مناكدة التاريخ حينا والمصالحة حينا آخر الى ان هاجر الموارنة مرغمين عام 1983. ذبلت واحدة من المجموعتين عندما أصبحت المجموعة الثانية لا تدون إلا في أسفل صفحة التاريخ. وبهذا يجب الإقرار بانتهاء صلاحية العلاج بالتاريخ عند كل من الموارنة والدروز.
ان التقاء الموارنة والدروز منذ القرن السادس عشر وفر لكلتا المجموعتين فرص إبراز الخصوصية والتميز.. والا لكان موارنة لبنان ودروزه لا يختلفون في الفعالية عن موارنة مدينة حلب او دمشق او عن دروز هاتين المدينتين”.

أضاف: “كان الموارنة في بداية هجرتهم الى بلاد الدروز عندما انتقل البطريرك يوحنا مخلوق عام 1609 الى قرية مجدل المعوش الشوفية.. وهي البلدة التي قدمها له الامير فخر الدين المعني ليجعلها البطريرك مقرا.. ومنذ ذلك التاريخ والموارنة يعززون انتماءهم الى الارض الجديدة التي لاقوا من اهلها الدروز كافة اشكال الترحيب.. وذلك لشدة حاجة الدروز الى جماعة ماهرة في العمل الزراعي وفي كافة المهن.. وشديدة البأس في الحروب.. ولا بشكل وجودها حرجا دينيا يجبر الدروز على ممارسة التقية كما هي الحالة مع السنة او الشيعة. وهذا ما حدا بالمؤرخ كمال صليبي ان يشير بمؤلفه بيت بمنازل كثيرة ص 175 ” لم يكن بروز الكيان اللبناني الا نتيجة للقاء الذي تم بين المسيرة التاريخية المارونية والمسيرة التاريخية الدرزية”.

وتابع: “لهذا يمكن القول ان الانتشار الفاعل للمسيحيين خارج الجبال الشمالية من لبنان.. حصل في زمن الأمراء المعنيين. وقد تجدر الاشارة الى ان الاضطهادات والاحتياجات المتكررة لبلاد الموارنة في جبل لبنان قد حالت دون نمو زعامات سياسية قادرة على قيادة الموارنة.. وهذا ما جعل الكنيسة بما تمثله من انتشار وتنظيم تتولى قيادتهم.. غير ان المعنيين والشهابيين من بعده نجحوا في دفع غير ماروني الى الوجاهة والزعامة كآل خازن وحبيش والسعد وباز وغيرها”.

ولفت الى أن “زعامة الدروز انتهت على الكيان الذي لا يصح نعته ب” اللبناني” حتى ذلك الوقت عام 1825 وهو بداية الصدام الدامي بين المسيرتين المارونية والدرزية”. وقال: “كان الشيخ بشير جنبلاط الذي قتل عام 1825 عقبة امام الموارنة في تحويلهم الأمارة التي كان رأسها الامير بشير الشهابي الى إمارة مسيحية وهو ما كانت تسعى اليه فرنسا وبمقتله تراجعت ثقة الدروز بأنفسهم خاصة وقصور المختارة وجميع المباني العائدة للجنبلاطيين هدمت بقصد إزالة هذه الزعامة”.

وتابع: “ليس من المبالغة القول ان معركة البشيرين الشهابي والجنبلاطي هي معركة بين الامير الماروني المدعوم من الكنيسة وبين الشيخ بشير المؤيد من غالبية الدروز. أسفرت المعركة عن هزيمة الدروز وتفرد الموارنة بالسلطة مع ما رافق ذلك من هجرة كبيرة الدروز الى أماكن متفرقة خارج الأمارة وابرزها حوران مما أدى الى مصادرة البيوت والاملاك. قد تفيد الاشارة هنا الى ان اسباب التباعد ومن ثم المواجهة بين الدروز والموارنة”.

نخول
وتناول الدكتور نخول بداية، تقسيم الكتاب الذي يتألف من 438 صفحة، وهو صادر عن دار سائر المشرق، 2021.
وقال: “في كل كتاب، هناك نقاط قوة ونقاط ضعف، أحيانا تتفوق الأولى على الثانية، والعكس صحيح أيضا.
انطلق الكاتب من صفته الأساسية، وهي خدمته الكهنوتية، في كنيسة سيدة المختارة، والتي يعود الفضل في بنائها إلى دار المختارة في العام 1820.
اعتمد الكاتب على مصادر أولية في بحثه، منها: أرشيف البطريركية المارونية في بكركي، وأرشيف مطرانية صيدا المارونية، وأرشيف الدار التقدمية للطباعة والنشر والترجمة والتوزيع وأرشيف المكتبة الوطنية في بعقلين وغيرها من الأرشيفات الخاصة والعامة، كما اعتمد على عشرات الكتب العربية والأجنبية. أظهر الكاتب، العلاقة الجيدة، على امتداد القرن الثامن عشر، بين اغلبية العائلات المسيحية ودار المختارة، لاسيما خلال التحالف والتعاون ما بين الشيخ بشير جنبلاط والأمير بشير الشهابي”.

أضاف: “نجح الكاتب، في الهدف الذي عمل عليه، فباستعماله وثائق جديدة، تنشر للمرة الأولى، أضاء على صفحات مظلمة من تاريخ الجبل، كما سعى الى إبراز الدور الإيجابي لتلاقي الدروز والموارنة في هذه البقعة من لبنان”.

وإذ لفت الى أن هناك “بعض الملاحظات التاريخية”، أكد أنها “وغيرها من الملاحظات المنهجية في كتابة التاريخ، لا تؤثر على جوهر الموضوع المطروح، ألا وهو إبراز الوجه الجميل من العلاقة التاريخية بين اهل الجبل، إنما لوضع الأمور في نصابها الصحيح”.

وقال: “الواقع ان تاريخ الريف اللبناني وحده، من بين الأرياف الشامية، هو التاريخ القابل للرواية بشكل متسلسل متكامل بالنسبة الى ذلك الزمن. ويعود الفضل في ذلك الى اهتمام بعض الدروز والموارنة آنذاك، كل فريق من ناحيته، بتدوين الوقائع المختصة بطائفته من هذا التاريخ. وهذا ما لم يفعله غير الدروز والموارنة من بين أبناء الأرياف الشامية، سواء في العصور الوسطى او الأزمنة اللاحقة”.

وختم: “يقول الدكتور كمال الصليبي في كتابه منطلق تاريخ لبنان، بيروت، 1979، ص 175، “ولم يكن بروز الكيان التاريخي اللبناني خلال الفترة العثمانية، إلا نتيجة للقاء الذي تم بين المسيرة التاريخية المارونية… والمسيرة التاريخية الدرزية من الناحية الثانية، وذلك في بداية القرن السابع عشر… فجاء تاريخ هذا الكيان، انطلاقا من ذلك اللقاء، استمرارا للأحداث والتطورات السابقة. وهل التاريخ في نهاية الأمر إلا الاستمرار؟”.

زر الذهاب إلى الأعلى