شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
ثقافة ومجتمع

بين التجنُّس والتجنيس ضاعت المقاييس بقلم الشاعر هنري زغيب

نقطة على الحرف الحلقة 1541
صوت كل لبنان
الأَحد 7 تشرين الثاني 2021

اللبنانيون الطالبون جنسيةَ بلادٍ يقصدونها للعيش فيها والعمل، يخضعون لمقاييس ومتطلبات صارمة حازمة قاصمة تتمطَّى سنواتٍ ومعاملاتٍ وإِقامةَ أَشهرٍ طويلةٍ متواصلةٍ في تلك البلاد، مع ما يستوجب ذلك من إِجراءَات ومقابلات وجلسات محكمة واستجوابات واستفهامات واستفسارات ومَلْء أَوراق ومستندات …، كلُّ هذا كي ينال اللبناني إِقامةً طويلةً أَو دائمةً تتمطَّى من جديد سنواتٍ أُخرى كي تمنحَه تلك الدولةُ جنسيَّتها فتهديه جواز سفر يتنقل بحمْله إِلى معظم بلدان العالم، بعدما يكون خضَع لجلسة عامة يُقسم فيها على الوفاء للجنسية التي نالها.
مسيرةُ عمرٍ طويلةٌ يقطعها اللبنانيُّ طالبُ الجنسية في أَيِّ بلدٍ يكون فيه، بينما دولةُ لبنان في فترات عدَّةٍ منحَت الجنسيةَ اللبنانية بمراسيمَ رئاسيةٍ مئاتِ أَشخاصٍ باتوا مجنَّسين، حاملين بطاقةَ الهويةِ اللبنانيةَ وجوازَ السفرِ اللبنانيَّ من دون أَن يَدين معظمهم بالوفاء ولا بالولاء للبنان، حتى إِذا تنبَّه معنيُّون إِلى أَنْ ليست جميعُ الملفَّات مطابِقةً مواصفاتِ التجنُّس، سحَبَت الدولة الجنسية من بضع عشرات.
وفيما كان التجنيس يُهدي مئاتٍ بطاقاتِ الهويةِ اللبنانيةَ بقيَتْ أُمهاتٌ كثيراتٌ محروماتٍ من منْح الجنسيةِ أَبناءَهُنَّ لآباء غير لبنانيين، بينما آباء أَجانبُ متزوِّجونَ لبنانياتٍ باقون على حقِّهم في منْح أَولادهم جنسيَّةَ بلدِ الوالد.
هي صورةٌ نمطيةٌ تصبغُ الفرد أَحيانًا بسبب جنسيته أَو لون بَشَرته أَو بلاده الأُم، تتمثَّل مجدَّدًا في موضوع الجنسية والتجنيس فتشكِّلُ خطرًا على الأَمن الداخلي حين لا تدقيقَ في مَن يحق له نيلُ جنسيةٍ لبنانيةٍ كانت تُمنَحُ مئاتٍ بدعم سياسي لغرض انتخابي أَو مناطقي أَو تَوازُني معيَّن.
أَقول “من يحقُّ له” وأَعنيها، فكثيرون نالوا الجنسية اللبنانية ولا يستاهلونها لأَنهم حملوها وظلُّوا يكنُّون للبنان مشاعرَ ليست بمستوى نيلهم شرفَ هذه الجنسية. وأَقول “شرف الجنسية” لأَنها وحدها لا ترقى أَبدًا إِلى شرف الهوية. فليس كلُّ حاملٍ بطاقةَ هويةٍ لبنانيةً يؤْمن بهوية لبنان الحضارية كي يتشرَّف بها.
وبينما اللبنانيون في الخارج يحملون جنسية البلاد التي استوطنوها لكنهم باقون أَوفياءَ لجذورهم اللبنانية هويةً وانتماءً، ثمة بينهم مَن حمَلوا جنسية تلك البلاد وأَداروا وجوههم لا عن لبنان الهوية الانتمائية بل عن دولته التي، بفشلها وفسادها وصلَفها وظُلْمها وتصرفاتها، هجَّرت أَبناءَ لبنان أَو دفَعَتْهُم إِلى الهجرة فكَنُّوا لها غضبًا وحقدًا وإِشاحةً عن العودة إِلى لبنان الدولة إِنما باقيةٌ في قلوبهم لمسةُ الحنين إِلى لبنان الوطن. وأَيُّ مهاجر لبناني يعيش في دولة ذاتِ نظامٍ وقوانينَ ومؤَسساتٍ فاعلةٍ تَمنح المواطنين حقوقَهم لقاءَ تأْديتهم واجباتِهم وتمنحُهُم الأَمنَ والأَمانَ وتسهيلاتِ الحياة اللوجستية اليومية، حين يرى ما في الدولة هُنا من خلل، طبيعيٌّ أَن يتولَّد لديه شعور بالحقد على ما هنا، ورفضِ مَن هنا، والغضبِ على مَن يتولَّى هنا شؤُونَ الدولة ويسيرُ بها إِلى الخراب.
لذا قلتُ في بدْءِ حديثي أَنْ بين التجنُّس والتجنيس ضاعت المقاييس، ولذا نَشهد موجاتٍ مرعبةً خطيرةً من مغادرة لبنان بالآلاف، فيُهاجر مَن يُهاجر ليبني في الهناك حياةً آمنةً أَمينةً، منتظرًا أَن تقوم في لبنان دولةٌ تعرف كيف تَحمي أَبناءَها في لبنان الوطن.

 

زر الذهاب إلى الأعلى