بأقلامنا

اليوم سأنسج خيوط دموع وأمل بالله بفلم مياده كيلاني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته….
مقالتي اليوم عن أهالي الأسرى والزيارة …..
اليوم سأنسج خيوط دموع وأمل بالله، عذاب وقهر سجان لا يرحم، فقبل أيام يبدأ الأهالي بالسؤال متى الزيارة ما هي إلّا أيامٌ من أول الشهر ويُنشر برنامج الزيارة لكل معتقل يبدأ التحضير قبل يوم من الزيارة، لا يعرف النوم لهم طريق خوفاً من أن يغرقون بالنوم ويخسرون الزيارة، أو من التفكير كيف ستكون الزيارة وكيف اللقاء يستحضرونه بأحلامهم الصغيرة. يأتي الفجر فينهضون قبل الآذان ويبدؤون بالتجهيز للخروج للباص وقبل ذلك يتفقدون أغراض الأسير وطلباته عدة مرات، تكرار التفقد خوفا من نسيان شيءٍ ما، يا لهنّ من خنساوات عظيمات. ينطلق الأهالي وهم يرددون دعاء السفر ليسهل لهن الله أمر السفر وأن يروا أبناؤهن على خير ويدعون الله ان تكون هذه آخر زيارةٍ في كل مرةٍ يناجون الله الفرج لأسراهم. يتوجهون للحافلات التي ستنقلهم للسجن، يقوم الأهالي بتسجيل الأسماء وتنطلق الحافلات بطريقها السجن، هنالك أطفالٌ مشتاقون لرؤية آبائهم وأمهاتهم والرجال والنساء والصبايا والشباب وكبار السن من الرجال والنساء والفرحة والابتسامة لا تغادرهم رغم المعاناة والعذاب لا يفكرون سوى كيف سيكون اللقاء، أثناء الطريق هنالك من يكمل نومه وخاصةً الأطفال وكبار السن، لا يُخفى على أحدٍ كم هي متعبةٌ رحلة الحافلة، قد تؤذي رقبة المسافر إذا ما حاول النوم من مشقة الرحلة، أما الذين يبقون مستيقظين فيبدؤون بالكلام والحديث عن أبنائهم وعن الأغراض التي يأخذونها للأسير ويأخذهم الحديث عن الأسير وبطولاته وعن المواقف التي تعرض لها وهو بالأسر وكيف أنّه برغم العذاب بالأسر إلا إن ضحكته وابتسامة شفتيه لا تفارقه أثناء اللقاء. بعد معاناة السفر التي هي حارةُ صيفاً باردةٌ شتاءً يصلون السجن عند الساعة العاشرة صباحاً وأحيانا أكثر وأحيانا أقل من هذا الوقت حسب الطريق والمسافة. تبدأ دقات القلب بالتسارع فقد حان اللقاء كأنهم ذاهبون للجنة كيف لا فهم سيرون أولادهم أو أزواجهن أو زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم رغم كل شيء موحش ومؤلم وباهت في الصحراء الا انه يشعرون انها الجنة. يصلون أول بابٍ فيُفتح لهم ويدخلون عدة أمتار ليصلوا إلى الباب الرئيسي ينتظرون حتى الساعة الثامنة ليفتح الباب وأحيانا كثيرة يتأخرون عن فتحه متعمدين إذلال الأهالي. بعد كل هذا العناء يُفتح الباب، يتحملون لأجل عيون أسراهم يفتح الباب وتدخل الحافلة لتتوقف بموقف لها ويبدأ الأهالي بالنزول من الحافلة باتجاه شباك التسجيل. هنالك من يُمنع من الزيارة تحت ذرائع كثيرة وبمسميات كثيرة، معاقب، منع أمنى، يا له من عذاب يصلون ولا يستطيعون الدخول كم من مرارٍ يتجرعون. أوقات كثيره يكون الأسير معاقباً وممنوعاً عنه الزيارة أو لديه جلسة في المحكمة فلا يخبرون أهله أو ربما يكون قد تم نقله إلى سجنٍ آخر فيصاب الأهل بحزن وخيبة أملٍ أما الأمهات فتبكي لحزنها على عدم رؤية فلذت أكبادها، كم هو صعبٌ أن تقطع مسافة طويلة تحمل أغراض وأحلام صغيرة برؤية أسيرك فتعود أدراجك تحمل دموع وحزن كبير تحمل شرخاً بقبلك.
أما من يحالفه الحظ ويُسمح له بالزيارة عليه أن ينتظر ساعةً حتى ينادون على الأسماء للزيارة، بعد نداء أسماء الأهالي يجب الّا تُدخل معك شيئاً، فتدخل نقطة التفتيش وتمر عبر جهاز كشف المعادن، وإذا أصدر إنذاراً عليك أن تعود لتتفقد أن كان بحوزتك أي شيءٍ معدني عليك أن تتخلص منه كي تتمكن من العبور، بعدها يدخل الرجال إلى غرف تفتيش بواسطة جهاز يدوي والنساء يتم تفتيشهن بواسطة سجانات بجهاز يدوي أيضا، ثم تدخل إلى غرفة الانتظار حتى يُفتح باب الغرفة التي يتواجد فيها الأسرى، يبقون على أعصابهم لا يعرفون هل سيكملون أم لا، قلبوهم تخفق لدرجة أنك تسمعه عن مسافات بتكون لهفة بعيون الأهالي ويتسابق من يدخل قبل الآخر….يُفتح الباب ويهرع الأهالي غلى الأماكن المعدة للزيارة تشعر كأن طاقة الفرج قد فتحت لك وان حلمك قد اقترب والسعادة معه مقبله، تركض نحو الشباك الذي تنتظر أمامه ليقبل الأسير أو الأسيرة، يقبل الأسير فتصنع الضحكة على وجهك مهما كنت موجوعاً أو مهموماً تضحك كي لا يرى أسيرك انكسارك. تراه من وراء الزجاج وتسمع صوته من سماعة الهاتف، يبدؤون الكلام بالصباح بالكلام المعسول والسؤال عن كل أفراد العائلة، تخبرهم وأنت تتصنع الابتسامة كي لا يشعرون بتعبك.
هنالك أسرى يرون أمهاتهم مثلا الأسير وليد دقه عندما شاهد أمه ناداها فلم تعرفه لأنها اصيبت بزهايمر، ما أصعب أن تنادي أمك فلا تعرفك، وآخر ينتظر أمه فيأتي أخوه لأن امه قد رحلت للسماء، وذاك يرى أمه مريضةً ويعرف أنه قد اجرت عمليةً ليس من بعيد فيسألها لماذا أتيتِ كان عليكِ أن تستريحي فتجيبه سأثي إليك ولو حبوا …وهناك من يريد احتضان ولده الصغير، طفله الذي ولد وهو بالأسر وآخر يريد أن يأخذ أخوه الأسير معه يرفض المغادرة إلّا مع أخوه وتلك الطفلة التي تركتها أمها بعمر الأربع أشهر وأسرت ابنة فدوى حمادة تريد احتضان امها بعد أن أصبح عمرها اربع سنوات، تأخذها السجانة لتحضن أمها فتخاف منها وترفض الدخول …هل لكم ان تتصوروا هذه المشاهد الموجعة فكل اسير وأهله يحملون ألم فظيع وأصعب الأوجاع عندما يخبرونكم بموعد زفاف أخوك كشروق دوياكت وغيرها الذي تزوجوا اخوتهم وهم بعيدين واصعب امر إسراء التي احرق جسدها ووجها كيف ستقابل ابنها الوحيد، يمر الوقت سريا ساعه كل هذا العذاب لساعه ومن وراء زجاج، انتهى الوقت ولم تنتهي الحكايات، يخففون عننا بالقول المهم شفناكم بخير ديروا بالكم على حالكم وسلموا على الأهل والأصحاب وتوصلوا بالسلامة يا رب وآخر الكلام ان شاء الله الفرج قريب بإذن الله وتكون آخر زياره…منهم 20سنه وهم على نفس الدعاء ومنهم40 سنه وأكثر، تغلق التلفونات وتبدأ الإشارات والعيون تتكلم وتحكي كل ما لم يقال، اشارات وقبلات حتى يختفوا عن الأنظار تشعر ان روحك قد انتزعت من صدرك تشعر أن قلبك قد راح من الأسير والأسيرة، تشعر أن المكان أصبح موحشاً بعد خروج ابنك وأنك قد اخرجت من الجنة ..
يتبع………
بقلم مياده كيلاني

جمعية نجدة الأسير الفلسطيني….

زر الذهاب إلى الأعلى