بأقلامنا

كنتُ أعبثُ بمصباحٍ قديمٍ لي ورثَه جدّي بقلم الأديب عصام الحر

كنتُ أعبثُ بمصباحٍ قديمٍ لي ورثَه جدّي عن جدّه، عندما تصاعدَ منه بخار كثيف، وانتصبَ أمامي ماردٌ عملاق وهو يقول:
اطلبْ ما تريد، فسألبّي طلبك.
لم تلمعْ في ذهني سوى مشاكلِ هذا البلد التّعِس الّذي ينعم بأحلى الخدمات وأكملها، فقلتُ:
” ليس لي ولأبناء هذا الوطن من مطالبَ بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. قد تُفاجَأ بأنّ مطالبنا من الأمور البسيطة والبديهيّة الّتي ينعم بها سوانا من سكّان هذا العالَم، ولا تستحقّ ان تنضوي تحت عنوان مَطالب. ومع ذلك، خد ورقةً وقلمًا واكتبْ. أرجو أن تحمل لنا شحنةً من كهرباء لا تنقطع، جَرعةً من ماء غير ملوَّث، كمّيّةً من زفت غير قابل للتّشقّق، هواءً نظيفًا لم يلامسْ مكبًّا من قاذورات أو جبلًا من نفايات، غالونًا من بنزين غير مخلوط، ليترات من مازوت غير مصطبغ بألوان غيْر لونه، محطّة محروقات لا ازدحام أمامها، كوكبةً من سياسيّين لا يهنأ عيشهم ولا تنتفخ كروشهم على حساب الوطن، ولا يزدادون غنّى بمصائبه ومآسيه، مجموعةً من المواطنين يحافظون على سلامة البيئة في وطنهم، مستشفياتٍ لا تعمل وَفق منطق التّجارة والرّبح والخسارة، أطبّاءَ لا يقدّسون ” العملة” بكلّ ألوانها وأنواعها، تجّارًا بينهم وبين الاحتكار وحُبّ المال عداء مستحكم، مربّين يعملون على قتل التّعصّب في الأبناء والأحفاد.. وأخيرًا حمامةَ سلامٍ غيرَ مهيضة الجناح.
هذه هي مطالبنا. إنّها متواضعة لن تكلّفكَ الكثير. تستطيع تنفيذَها مع زعمائنا، ولا تخشَ مرور الوقت، فلهؤلاء أولاد وأحفاد يستطيعون إكمال المسيرة معك”.
فغرَ المارد فاه، ثمّ قال: لكنّ عمري لن يتجاوز الألفيّة الثّالثة. أعتذر”.
وعاد إلى حيث كان.
عصام حسين الحُرّ
من كتابي «همَسات صاخبة»

زر الذهاب إلى الأعلى