بأقلامنا

حدّثني صديقي المغترب في دولة الغابون الأفريقيّة عن ليلةٍ لن ينساها في تلك البلاد الحارّة. بقلم الكاتب عصام حسين الحر

حدّثني صديقي المغترب في دولة الغابون الأفريقيّة عن ليلةٍ لن ينساها في تلك البلاد الحارّة.
كانت السّاعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف اللّيل بقليل، عندما راح التّيّار الكهربائيّ «يلعب» صعودًا وهبوطًا قبل أن ينقطع لتسود العتمة، ولتنقطع بالتّزامن مع ذلك مياه الشّفة.
وبما أنّ النوم من دون عمل جهاز التّكييف مستحيل في تلك البلاد، فقد اضطُرّ الصّديق إلى قضاء ما تبقّى من اللّيل ساهرًا على الشّرفة، ولم يدخل للنّوم إلّا عند الخامسة فجرًا عندما عاد التّيّار.
كان ما يزال تحت تأثير النّعاس، عندما قُرع الباب الثّامنة صباحًا. كان الطّارق مندوبًا من مؤسّسة الكهرباء يسأل عمّا إذا كان «تلاعُب» التّيّار قد أدّى إلى تعطّل بعض الأجهزة الكهربائيّة، واكتشف صاحبُنا أنّ أحد المكيّفات قد توقّف عن العمل، وطلب الموظّف معلوماتٍ عن ماركة الجهاز ومواصفاته وتاريخ صنعه وانصرف.
وقبل أن يمضي على الحادثة شهر واحد، كان أحد الموظّفين يقرع باب الصّديق ويسلّمه شيكًا بقيمة جهاز التّكييف الّذي « ضربَه» اضطرابُ عمل التّيّار الكهربائيّ، وبعد أيّامٍ كان موظّف آخر يُبلغُه قرارًا بحسم مبلغ ممّا يتوجّب عليه كرسمٍ سنويّ لاستهلاك المياه، وذلك كتعويضٍ عن انقطاع المياه خلال الفترة الّتي استغرقها انقطاعُ التّيّار.
روى لي صديقي هذه الحادثة، فصرختُ مستهجنًا مدى « التّخلّف» الّذي تعيشه تلك البلاد، فما الضّيرُ إذا تعطّلت بعض الأجهزة الكهربائيّة؟ وما الضّرر إذا انقطعت المياه عن المنازل لسويعات قليلة لا تقدّم ولا تؤخّر؟ بل أكثر من ذلك، ما المشكلة إذا امتنع المسؤولون عمدًا عن تأمين الكهرباء وغيرها من الخدمات لغايةٍ في نفس يعقوب؟ ألم يكن الأجدر بالمسؤولين في تلك البلاد أن «يُتحفوا» مواطنيهم ببعض التّصريحات الباردة لتهدأ أعصابُهم المحترقة في تلك اللّيلة الحارّة كما يحصل في بلادنا العامرة؟…
عصام حسين الحُرّ
من كتاب “همَسات صاخبة”

زر الذهاب إلى الأعلى