بأقلامنا

قانا .. حزن القناديل بقلم الدكتورة سلوى الخليل الامين

قانا .. حزن القناديل
في قريتي الجنوبية الهادئة
قرأت احرف الوطن على ضوء القنديل العتيق
مسحت بزيته الشحيح..
مواكب أنوار هاربة من دمع العيون
وأمسكت لمعان بروق .. وقصف رعود
في الليلة الرعناء.
في قريتي الهادئة .. حكاية بطولات وموت زؤام
نقرأه في أساطير العجائز.. والأمهات
ونلمسه في عشب الأرض النابت في نيسان
نرويه من حزن القناديل .. وغدر الزمان.
ترانا نحاول عبثا أن نمسك القمر..
نراه وحيدا على وجه الماء ..
يغط بدرا.. مسورا بالغضب
فأمواج البحر عاتية.. ملغومة بخيالات مساء
ترسم بيراعات أطفال قانا .. أحلام النوارس
ومراكب الصيادين المرتاحين لصباحات الوطن.
فها هنا .. مسارب الشوق .. ومواطن القهر
واللوعة .. وكل الحنين
ها هنا وشوشات وجوه.. مشدودة إلى ملامح الضوء
وفراشات ترمي أناشيدها على ضفاف
الليل الحزين..
ها هنا الكتب الندية.. وقصص الأطفال
تعانق سطور الورق .. تشتهي مهود الأولين .
ها هنا أصواتهم .. علامات موت .. ودمار وحريق
فمن هنا مر الطغاة .. يقتلون .. يدمرون
يبعثرون قلوبنا فوق أرصفة الدروب
ويهللون .. لطائرة الآباتشي
تسرق أحلام أطفال قانا .. وفرح الأمهات
تغافل أحضانهم الدافئة .. تخطف أرواح الرضع
تقتلهم .. تحرقهم .. وتصادر عريهم
وأنفاسهم .. تدوس أجسادهم وحشائش الطرقات.
في لحظة عبثية..
حللوا قتل النفس التي حرم قتلها رب العباد
الجثث مشوهة .. والأقلام تنعي أصحابها
والكتب تسبح في بركة من دماء..
والأطراف مقطعة الأوصال
الضجيج عويل .. صراخ في كل مكان
والصمت سيد الأكوان .. يعبر الزمان
يلملم تأوهات العالم الغارق بالصمت
فالأرض أرض قانا.. أم البدايات والنهايات
الحاملة عناقيد الغضب .. أنهار دمع ودماء
وضمائر مرسومة بقهر الزمان والمكان
وكل الوصايات والحقائق المغلفة بالموت
وبالحروف المشبهة بالفعل
فالقول نشاز حين قذائفهم: أميركية .. فرنسية الهوى
وإنكليزية المسار والمصير.. منذ وعد بلفور
.. وضياع فلسطين
فالقدر .. قوات متحالفة .. لا تعرف الأمر المكتوب
ولا تحمل عطر النرجس البري
ولا عبير زهر اللوز والليمون والصعتر
وتبغ الحقول..
أتراهم يدرون ماذا يفعلون؟
فها هنا قوافل الشهداء .. صورة الحق المرسلة خلف الحدود
ها هنا القصيدة مشروع شهادة .. وموت بلا عنوان
بلا وثيقة .. أو قدر مكتوب
ها هنا .. الصباح نشيد الفوارس ونقاط العبور
وعلامات النصر.. تخط على مطارح الأرحام
حكاياتها .. والوعد الموعود
ها هنا نرتاح لحكايات شهرزاد
ولياليها الألف العتاق
وبصمات ما كتب على روزنامة شهريار
بهمس وسكوت عن الكلام المباح
في ليل قانا الحزين.
فكم من وحوش كاسرة
حطمت بأنيابها لون السماء
وقذفت الدم على وهج المدائن
والقرى المتخمة بغضب الأمهات
ودنان من لبن وعسل .. مخطوفة من هذا المكان.
إليك قانا.. إليك كل السلام
احفظي في دفاترك
كل الأسماء .. وحكايات الأعداء
احمليها إلى مكان آخر .. نطير إليه
وندب على أرضه
نرشه بقصائدنا .. حين يحلو النصر
وترتفع فواتح الرحمة .. دعاء اشتياق
لأطفالك الشهداء.

بقلمي الغاضب: سلوى

بمناسبة ذكرى مجزرة قانا
كتبتها في 13/4/2006
سلوى الخليل الأمين

زر الذهاب إلى الأعلى