بأقلامنا

نص كلمة الاعلامي نهاد حشيشو في حفل تكريم الراحل الدكتور غازي قهوجي ضمن فعاليات معرض الكتاب العربي التاسع في صور

عائلة الفقيد الغالي غازي قهوجي

نقيب الفنانين اللبنانيين الصديق نعمة بدوي

هيئة تحرير مجلة “هلا صور” وموقعها الإلكتروني ممثلة برئيسها الدكتور عماد سعيد منظمة معرض الكتاب التاسع في صور بشعاره الراهن “نحو القدس”.

أصدقاء الراحل غازي

جمهور الحاضرين الذي لبّى الدعوة في هذه الظروف القاسية الدامية التي تمر بها غزة الصامدة وفلسطين المحتلة والجنوب اللبناني…

تحية طيبة

عندما طلب مني أن أتكلم عن الصديق الغالي الفقيد غازي في ذكراه هذه، رجعت بنفسي إلى أيام بعيدة خلت، حين التقيت به للمرة الأولى في صوفيا ببلغاريا، يوم حضر هناك للدراسة.. وحين سألت من عرفني إليه، صديقه الحميم ابن مدينتي المحب سهيل أبو ظهر ما نوع دراسته؟ أجابني ديكور وسيتوغرافيا مسرح! يومها أدركت طبيعة هذا الإنسان الرقيقة، الحساسة، المتألقة وقلت في نفسي إنه فنان وباحث… نعم كان غازي يبحث عن الجمال والسلام كما السخرية الضاحكة المتفائلة والحب والسعادة، وهي أقانيم أحاطت بعقله وحياته دونما رتوش وتملق.. لم يكن غازي كغيره من زملائه الوافدين للدراسة يبحث عن المستقبل الرغيد في مهن طلبوها كالطب والهندسة والصيدلة وغيرها تجلب المال والرغبة بالحياة الوفيرة لهم، هو نموذج مختلف..

لقد أراد قراءة الحياة واختبارها عن طريق مختلف..

لقد اختار البحث ومعرفة كل أنواع ما يجلب الانطلاق وكشف الذات بالنغم وهندسة المشاعر في المسرح وأناقته، في تاريخ العظام وتطلعات رواد الموسيقى الكبار إلى جانب حركة البشر في تآلفهم مع الكلمة والخطاب والضحك والحماسة والصمت كما الحزن الصادم والخارق.

سنوات ثلاث مرت ثم التقيت به ثانية في صوفيا وكان أنهى دراسته وأصبح على أهبة العودة إلى الوطن.. يومها كنت غادرت ألمانيا الشرقية معترضا انتقدتها أمامه وأمام عدد آخر من الحزبيين المنتمين المؤيدين للتجربة في دول المعسكر الاشتراكي، كما سمي آنذاك، …….. برأيي بهز رأسه بسخرية، وعارضني بقسوة المتزلفين الآخرين.. وكنت محقاً كما أثبتت النتائج.. التاريخية..

وغاب عني وغبت عنه.. وكنت بدأت أقرأ في الصحف والمجلات عن اسمه كمنظم لديكورات وأدوات المسرح وهندسته، وبدأ غازي يلمع مع صعود الرحابنة ونجمتهم فيروز، حيث أخذ يجول معهم في رحلاتهم العربية والعالمية لإبراز الفن اللبناني… لقد استطاع الراحل الكبير أن يكتشف في عمله دقائق وأصول صناعة المسرح بخصائصه. طبقاً للنص المكتوب والأجواء الموسيقية والتمثيلية..

مسرح القرية، المدينة، الفقراء، الفلاحين.. النوفوريش الأغنياء الجدد.. المدعين.. الأصلاء الطيبين الخ…

على هذا النحو بدأت شخصية غازي تعبّر عن مكنوناتها وحينما انضم الى الجامعة كأكاديمي أحبه طلابه وأحبهم وأنغمس في التعليم ليعطي من ذاته كل ما درسه وتخصص به، مانحاً هذه المعرفة خصوصيتها المحلية في مجتمعاتنا العربية واللبنانية..

في تلك المرحلة.. لم أكن على تماس معه.. لم أندمج في معرفته.. كنت اجتمع اليه لماماً.. ولكن قدّر لي.. لاحقاً في منتصف الثمانينات، أن أصبح قريباً منه ومعه…

وكان ذلك في دمشق.. حينما كان يصعد إليها ويزورها في أعماله المسرحية.. يومها كنت أجتهد في ممارسة عملية استكمال نضالي السياسي لتحرير بلدي لبنان وصيدا والجنوب من رجس الصهاينة وعملائهم.. وأصبحت مقيماً في دمشق، كما بيروت.. في تلك الحقبة.. عرفت غازي في جلسات المقاهي.. ناقداً، متهكماً على مكامن فشلنا في صراعنا الداخلي، ومرحباً بما ننجزه من مكاسب.. جذبني إليه بنقده المتألق الذكي ورحابة تفكيره المتفائل دائماً لكن بحذر..

وكان حذره صائباً.. كان يريدنا أن نخرج من تخلفنا وادعائاتنا مع حرصه على تأكيد أهمية اختراقنا للفشل الكاذب المنمق..

ترسخت صداقتنا ومعرفتنا، لاحقاً في بيروت، حين حصلت واستجدت علاقات، أدركت معها أنه صديق صدوق.. محب، يحترم الذات كما الآخرين إذا كانوا في عمقهم مدعاة احترام.. كنت ناقداً بعنف لتجربتي الحزبية في خضم معمعة الصراع المهزوم لسبب أدركه غازي دونما خوضه للتجربة الحزبية: إنه جلب الخسارة للآخرين عن طريق خيانة وخسارة الذات… وتلك كانت معضلة قيادات العمل الحزبي.. خصوصاً أصحاب قضية التغيير الجذري…

أذكر أنه حينما كرّمه النادي الثقافي العربي في بيروت كنت من أوائل الحاضرين.. يومها لاحظت خيبته وألمه الذاتي؛ كان يتوقع حضور أناس عاشرهم، عمل معهم صادقهم، آمن بهم، لكن بعضهم لم يحضر.. فأسرّ لي لاحقاً بقوله.. وكأنه يعاقب نفسه.. الآن أدركت يا صديقي مرارة عملك الحزبي.. فكم كانت خسارتك وأمثالك صادمة.. لكن ما أذهلني أنك ما زلت تعمل في الشأن العام لخدمة مدينتك وقضيتك وشعبك.

رغماً عن الخيبات استمر الفقيد غازي ضاحكاً وناقداً.. وتألق في سلسلة كتبه التي أصدرها بعنوان “قهوجيات”.. ظهر التألق في طريقة إلتقاطه، لثغرات مجتمعنا السلبية ليصنع منها ضحكة “وقهقهة” ينضج منها التفاؤل الدائم بالتغيير.. تلك كانت أهمية نكاته في كتبه.. حقاً.. لقد صنع غازي أدوات زخرفة المسرح وأضحك في كتبه وسخر من التخلف والغدر والكذب العاري.. هو من مدرسة العظام كموليير ولقد ترجمها في حياته القصيرة… بأسف كما المسرح والكتاب والجامعة ونحن حينما نكرمه في مدينته ونذكره في هذا الاحتفال فذلك أقل ما نكافئه به.. إنه يستحق الكثيرالكثير…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نص كلمة الاعلامي نهاد حشيشو في حفل تكريم الراحل الدكتور غازي قهوجي ضمن فعاليات معرض الكتاب العربي التاسع في صور في مجمع باسل الاسد الثقافي من تنظيم جمعية هلا صور الثقافية الاجتماعية

زر الذهاب إلى الأعلى