أخبار لبنان

صورة الرئيس؟ الثقافة لا السياسة بقلم الشاعر هنري زغيب

“نقطة على الحرف” الحلقة 1517
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 23 أَيَّار 2021

أَمامي “جريدة لوموند”. على صفحتها الأُولى عنوانٌ كبيرٌ وصورة. العنوان: “ماكرون يُعلن استئْناف الحياة الثقافية”. وكلام الصورة: “إيمانويل ماكرون وجان كاسْتِكْسْ في مقهى پاريسي”. هكذا، بدون لقَب. الفرنسي لا يحتاج إلى القول: “فخامة الرئيس الأُستاذ إيمانويل ماكرون”، ولا إلى “دولة الرئيس جان كاسْتِكْس”. ففي قناعة الفرنسيين أَن إِيمانويل ماكرون هو خادمُ الشعب برتبة رئيس جمهورية، وجان كاسْتِكْسْ خادم الدولة برتبة وزير أَول أَو رئيس وزراء. فما إِلَّا في الدول المتخلِّفة يَسْكَر السياسيون بأَلقاب “فخامة الرئيس” و”دولة الرئيس” و”معالي الوزير” و”سعادة النائب”، وهؤُلاء هم غالبًا متخلِّفون أَكثر ممَّن يُغدقون عليهم هذه الأَلقاب.
الشاهد أَن الحكومة الفرنسية سمحَت بفتح صالات المعارض والمتاحف والمسارح والسينما، ضمن الإِجراءات الصحية الوقائية الصارمة الجازمة الحازمة. وأَبرزَت “لوموند” إِقبالَ المواطنين على المتاحف والمعارض بعد ستة أَشهر على إِغلاقها كُورُونيًّا، ما يدلُّ على اهتمام الفرنسيين بالثقافة جُزءًا أَساسيًّا ضروريًّا من حياتهم اليومية، وتخصيص ميزانية طبيعية لزيارة متحف أَو معرض أَو شراء بطاقات لحضور مسرحية.
ومن اهتمام الفرنسيين بالثقافة، هوذا اهتمامُ رئيسهم بالثقافة، ووعيُهُ أَهميةَ الثقافة في فرنسا الوطن، وأَهميةَ وزارة الثقافة في فرنسا الدولة. فماكرون انتقل أَول من أَمس الجمعة إِلى بلدة نيڤير (البعيدة عن پاريس 253 كيلومترًا وساعتين في القطار، ذات ديموغرافيا من 33 أَلف نسمة فقط، وجغرافيا من 17 كلم مربعًا) لِلِقاء مواطنيه هناك وحضور مسرحية فيها، تشجيعًا إِياهم على العودة إِلى الحياة الثقافية، وتأْكيدًا على بطاقة ثقافية من 300 يورو شهريًّا لمدة سنتين هبةً للفرنسيين فوق الثامنة عشْرة، كي يتسنى لهم شراء بطاقات مسرح ومعارض وسينما، وتعويضًا عمَّا تكبَّده القطاع الثقافي من خسائر. هي إِذًا بطاقةٌ ثقافية، لا تمويلية ولا تموينية، ولا يحملها المواطن ذليلًا كي يقف أَمام صيدلية أَو فرن أَو سوپر ماركت.
ومنذ يومين، على الشاشات التلڤزيونية في فرنسا، حملةٌ حكومية تشجيعية بعنوان “العيش ثقافيًّا” (Vivre la Culture) لا عاشت الثقافة (Vive la Culture)، ما يدُلُّ على أَن الثقافةَ أَساسيةٌ في وطنٍ عريقٍ تدير شؤُونَه دولةٌ عريقةٌ ذاتُ سلطة جازمة جاهزة لتطبيق القانون وردْع المخالفين أَيًّا كانوا، فليس في دولةٍ عريقةٍ أَزلامٌ ومحاسيب، وليس في سلطةٍ حازمةٍ سياسيون فاسدون تنكشف فضائحُ فسادهم ويظَلُّون في مقاعدهم راتعين، وعلى أَكتاف أَزلامهم رابخين.
في الدولة العريقة التي تَخدم وطنًا عريقًا، يعرف رئيس الدولة أَن قطاع الثقافة، بأَعلامه ومعالمه، هو الذي يَبني مجد الوطن، لذا يهتم الرئيس بالثقافة وإِبداعاتها ومُبدعيها، مُدركًا أَن العملَ السياسيَّ زائلٌ مهما طال، وأَن اهتمامَ الرئيس بالإِبداع في بلاده هو الذي يَضمَن لكل رئيسٍ صورةً بهيةً عن ولايته وعهده، ما لا يَضمنه أَيُّ إِنجازٍ سياسيٍّ مصيرُهُ الضياع والزوال مع سواه من تغيير سياسات، وتشكيل حكومات، وإِصدار مراسيمَ وتعيينات.
قَدَرُ العمل السياسي أَن يَزولَ مع تغيير الدول، وَقَدَرُ العمل الإِبداعي أَن يَخْلُدَ في تاريخ الأَوطان.

زر الذهاب إلى الأعلى