تحقيقات

” أبو منصور”: عاش بطلاً وأسطورةً شعبية.. وضابط صهيوني أدّى له التحيّة*

الشهيد أبو منصور (أرشيف الهدف)
السبت 10 يوليو 2021 | 11:03 ص

الضفة المحتلة – بوابة الهدف

يوافق العاشر من تمّوز/يوليو، 1970 ذكرى استشهاد المناضل الفلسطيني اسعيد سلامة منصور السواركة “أبو منصور”، والذي اغتاله الاحتلال مع أحد رفاقه في مدينة الخليل، وهو قائد قوات الجبهة الشعبية في الخليل آنذاك.

وشكّل الشهيد “أبو منصور” نموذجاً رائعاً للحرب الشعبية وأيقونة نضالية، ما زالت قصصه وحكايات بطولاته عندما كان يضرب المحتل ويختفي في أرجاء الخليل التي احتضنته، وأصبح إسمه معروفاً في كل بيت فلسطيني ورمزاً للشجاعة والإقدام.

عشق الحرية

ورث اسعيد، من مدينته الأصلية رفح، جنوب قطاع غزة، حيث عاش بين عرب السواركة، صلابة البدوي الأصيل وكرمه وعشقه للحرية، وأن لا يطأطئ رأسه للظلم والظالم، وكثفت مهنته كراعي غنم معرفة براري الخليل وتعامله مع الوحشة والانفراد والجرأة والشجاعة مع ما ورثه من أخلاق القبيلة.

اقرأ ايضا: من أرشيف الهدف 1970: الشهيد أبو منصور: البطل.. في أروع أمثلته
بين أزقة وأحواش حارة الشيخ، إحدى حارات الخليل العتيقة، سكن أبو منصور، وتزوج إحدى بناتها، من عائلة القواسمي، هذه العائلة التي ضحت بالعشرات من أبنائها، حيث كان أول بيت فلسطيني تهدمه قوات الانتداب البريطاني في فلسطين هو بيت الحاج ناجي القواسمي، ولديه خمسة أبناء.

شعور بالفخر

وقال المؤرخ عبد العليم دعنا، أنه لم يقابل أبو منصور، الذي قاد مجموعات الجبهة الشعبية في الخليل، شخصياً، ولكنه قابل العديد من المقاتلين الذين قادهم في عمليات عسكرية جريئة، مُشيراً أنهم جميعاً كانوا يشعرون بالفخر ليس لقيامهم بالعمليات العسكرية معه، بل لأنهم كانوا يعملون تحت قيادته.

وروى دعنا، عن محمود جراد القواسمي، أن أبو منصور قاد عملية جريئة بالقرب من دائرة التربية والتعليم في الخليل، لافتاً إلى أنه قد يكون أول من استخدم “أر. بي. جي” في عملية عسكرية في الأرض المحتلة، دمر خلالها آليتين عسكريتين بمن فيهما من جنود، وقد أكد له ذيب الدويك الذي شارك بنفسه بالعملية.

وأضاف أن بدوان الجعبري، أخبره أن اسعيد طلب منه ومن رفاقه مهاجمة موقع عسكري أمام مدرسة ابن رشد، حيث جُرح الجعبري في يده، مُضيفاً أن من الذين رافقوا أبو منصور في العملية، المرحوم محمود عبد الهادي أبو شرخ، الذي كان في مجموعته الفدائية وحكم بالسجن 15 عاماً، مُشيراً إلى أنه أيضاً كان حلقة الاتصال مع القيادة في الأردن وكان مطلعاً على كل صغيرة وكبيرة، وأن أبو منصور طلب منه تجهيز أكلة المقلوبة إحدى أشهر الوجبات التقليدية الفلسطينية، وكان لا يطلب مثل هذه الوجبات إلا عندما يكون مُقبلاً على عملية كبيرة.

وتابع أنه بعد أن جهز هذه الأكلة، سمع صوت رشاش واحد لا غير، فكان أبو منصور قد رصد مجموعة عسكرية من قوات الاحتلال كانت يومياً تأتي إلى مكان يدعى عروض فراح ويتدربون ويستمعون إلى شرح ضابطهم، مُشيراً إلى أنه خطط مع أفراد المجموعة لضربها، واتفقوا على الالتقاء في بيت جداري بدون سقف ويعرف بالعريشة، كان يستخدم في الصيف للسكن أيام نضوج العنب، مُضيفاً أن أبو منصور حضر قبل رفاقه، وللصدفة جاء أفراد جيش الاحتلال قبل الوقت المتوقع، فما كان منه إلا أن بادلهم إطلاق النار خاصة أن أحد جنود الاحتلال حضر إلى العريشة لقضاء حاجته، ولم يكن لديه مفر إلا أن يرديه قتيلاً برشاشه من نوع “دكتريوف”، ولم يتمكن أي من جنود الاحتلال استخدام سلاحه، مُستطرداً أن ذلك أعطاه الوقت الكافي لتلقيم رشاشه وإعادة الكرة بإطلاق النار عليهم وعلى كل من يتحرك من جنود الاحتلال، وعندما سمع رفاقه صوت الرصاص انسحبوا من المكان، مُضيفاً أنه بعد تقصي الأخبار تبين أن جندياً واحداً فقط من مجموعة تقارب 30 جندياً وصل مقر الحاكم العسكري بعد ساعتين من المعركة التي خاضها رجل واحد ضد فصيل من قوات الاحتلال.

رمزاً للشجاعة

تداول سكان الخليل، أخبار أبو منصور، وجرأته، حتى أصبح رمزاً للشجاعة والجرأة، ولم يستطع الاحتلال الوصول إلى أي معلومة عن مكان تواجده، كونه يعرف المنطقة جيداً، لكونه راعياً لا يلتزم بالتواجد في مكان واحد ويعرف أماكن عديدة لا تخطر على بال أحد، وطارده الاحتلال طويلاً، وكأنهم كانوا يطاردون شبحاً، حيث كان رجلاً محبوباً من شعبه الذي قدم له مساعدات جمّة.

وبين هشام الشرباتي، أنه كأحد أبناء ما بعد النكسة، لم يكتب له أن يذكر جيداً عصر جيل من عمالقة نضال الجبال والكهوف والوديان، نضال فن الاختفاء والمباغتة، مُضيفاً أنه وغيره من أبناء جيله من سكان الخليل، كثيراً ما تردد على مسامعه اسمان بل لقبان لشخصين تحدث الناس الأكبر منه سناً عن بطولتيهما باعتزاز واحترام ووقار، إنهما الشهيدان اسعيد والشلف، مُشيراً إلى أن الناس رووا القصص والحكايات عن بطولاتهم، مازجين الخيال بالواقع، مُتسائلاً كيف لعامة الناس أن تعلم تفاصيل حياة أشخاص حملوا أرواحهم على أكفهم، عاشوا متوارين عن الأنظار إلا وقت الفعل الصاعق، تلك الحكايات حملت في طياتها معنى الإعجاب الممزوج بالفخار، ومعاني التقدير، داعياً لتوثيق حياة هؤلاء العمالقة وتعريف الجيل الجديد بهم.

معارك عديدة

وقال سلامة اسعيد، نجل الشهيد، أن والده قاد العديد من المعارك كقائد للجبهة الشعبية التي انضم إليها، دفع خلالها العدو مئات القتلى والجرحى من جنوده، منها معركة الحاووز في الخليل، ومعركة الحرائق على طريق الخليل الظاهرية، ومعركة الغوار، ومعركة عين سارة على مدخل الخليل، ومعركة عين خير الدين على طريق وادي التفاح، ومعركة الباب الإبراهيمي، ومعركة الجوازات، كما شارك في الهجوم على معسكر المجنونة في الخليل، ومعركة الكرنتينا، ومعركة وادي القاضي، ومعركة بني نعيم ومعارك أخرى.

وأضاف أن والده تمركز في الجبال مُشرداً عن أهله وأولاده حوالي السنتين ونصف يقود المجموعات القتالية في مختلف مناطق الخليل، كان رفيقاً للشهداء موسى الرجبي ومحمد شرف وفايز جابر وصلاح أبو ميزر ورياض جابر وعايش البكري والكثير الكثير من شهداء الثورة الفلسطينية، مُشيراً إلى أنه طوال هذه الفترة الطويلة لم يكن الاحتلال الاسرائيلي يجرؤ على تحريك دورياته في جبال الخليل خلال الليل، حتى رصد الاحتلال مبلغ 20 ألف دينار مكافأة لمن يستطيع القبض عليه.

شهيد محتجز

مع غياب شمس العاشر من تموز عام 1970، تمكّن الاحتلال من الشهيد أبو منصور ورفيقه الشهيد عبد المنعم راجح الجعبري، بعد أن نالت منه يدر الغدر والخيانة من خلال أحد عملائه الذي أطلق النار عليهما وقتلهما، في منطقة قيزون شرق الخليل، بعد أن قام جيش الاحتلال بمحاصرة المنطقة، لتحصل معركة حامية الوطيس، باشتراك وزير الأمن “الاسرائيلي” موشيه ديّان، وباستخدام الاحتلال الدبابات وطائرات الهيلوكبتر ومختلف أنواع الأسلحة، ورفض الاستسلام وبقي يقاتل حتى آخر طلقه معه حتى استشهد على يد العميل، مُوضحاً أن ضابط الاحتلال الذي قاد المعركة وقف أمام جثة الشهيد وأدى له التحيّة العسكرية، لتنتهي بذلك صورة متوهجة لإحدى أروع التجارب النضالية الفلسطينية في حلقة من حلقات النضال المستمر بعناد وتدفق لا نهاية له ولا حدود، فهو يمثل صلابة الكادح، شعر بالسحق فرفض، وتبرع بالدم فأعطى دون توقف، فكان شهيداً، راوياً بدمائه ثرى الخليل التي كانت تحكي أسطورة كفاحية أوجعت المحتل وأرّقته وأفزعته.

وأوضح نجل الشهيد سلامة، أن رفات والده الشهيد ما زالت محتجزة لدى الاحتلال “الاسرائيلي”، مُؤكداً أن الخائن الذي فرّ هارباً إلى الأردن، لم يفلت من عقاب الثوار الذين ألقوا القبض عليه واعترف بجريمته النكراء كاملةً، ونفذ فيه حكم الإعدام رمياً بالرصاص

زر الذهاب إلى الأعلى