بأقلامنا

الانتماءُ شرَفُ الهوية بقلم الشاعر هنري زغيب

“أَزرار” الحلقة 1179
“النهار” السبت 29 أَيَّار 2021

في المقال السابق: “الهوية؟ لبنان الوطن لا الدولة ولا السُلطة” (“أَزرار” 1178 – “النـهار”، السبت 22 أَيَّار 2021)، فصَّلتُ الفرق بين الوطن (الإِرث الساطع محليًّا وعالميًّا ذي العُمق التاريخي) والدولة (المؤَسسات والإِدارات العامة ذاتِ العمل اليومي) والسُلطة (الجهازِ البشري الذي دورُهُ أَن يَخدم الدولة). في هذا المقال أَصل إِلى الانتماء، وهو شرف الهوية. فإِلى مَن ينتمي المواطن؟
إِذا انتمى إِلى الدولة فالدولةُ هيكلٌ إِداريٌّ معرَّضٌ للتغيُّر في أَيِّ ظرف. وإِذا انتمى إِلى السُلطة فالسُلطةُ مجموعُ أَشخاص متغيِّرين وفْق العهود والتحالفات والتقلُّبات السياسية، وتاليًا يُضطرُّ المواطن أَن يُواليهم فيغيِّرَ انتماءَه. وإِذا انتمى للهوية فالهويةُ لا تتغيَّر مع تغيُّر هيكلية الدولة الإِدارية أَو تغيُّر خُدَّامها رجال النظام.
ماذا إِذًا؟ يبقى الانتماء إِلى الوطن: إِرثًا من الآباء المؤسسين، تُراثًا إِنسانيًّا للحفاظ عليه، وميراثًا نحمل شعلتَه لأَجيالنا التالية.
متى يكون ذلك؟ حين لا يعود الشعبُ كتلةَ حُبُوب في سُبحات السياسيين، ولا حزْمةَ عيدان في مواقد الزعماء، ولا مجموعةَ دُمى تهريجية على أَبواب القادة والمسؤُولين من رؤَساء ووزراء ونواب وقادة شعبيين.
السياسيون عندنا لا يقودون الدولة بل يسوسون الشعب بسَطْوَة أَلقابهم الْمَا زالت متناسلةً فيهم منذ العثمانيين: “فخامتلو”، “دولتلو”، “سعادتلو”، “البك”، “الباشا”،… وسائر أَلقاب كان سياسيون “يشترونها” من الباب العالي كي يُسيطروا بها على الشعب فيظنُّ معظم شعبنا أَنها منَّةٌ للسياسيين ضروريةٌ في حياته الـمُواطنية، فيما واجبُ السياسيين أَن يكونوا هُم خُدَّام الشعب والدولة والسلطة، متى قاموا بواجبهم يصل إِلى كل مواطن حقَّه فيؤَدِّي بواجبه لدولته دون الوقوف في باب سياسي يكون لقبُهُ أَكبر من قيمته الحقيقية.
الوطن أَعلى من الأَلقاب، والانتماء إِليه يمنح الهوية اللبنانية، ويجعل إِدارات الدولة خادمةَ الشعب، ورجالَ السلطة خُدَّامَ الدولة.
الهويةُ إِذًا هي الأساس. من أَجلها يُقْسم الخادمُ الأَول في الوطن: رئيسُ الجمهورية، حين يَرفع يمينَه قائلًا: “أَحلِفُ بالله العظيم أَني أَحترمُ دستورَ الأُمَّة اللبنانية، وقوانينَها، وأَحفَظُ استقلال الوطن اللبناني وسلامةَ أَراضيه”.
هكذا إِذًا: الدستور قال بــ”الأُمة اللبنانية”، وسمّى “الوطن اللبناني”، وجعل الرئيس في خدمة الأُمَّة بتاريخها المشَرِّف، وفي خدمة الوطن بشعبه الحامل هويته، وبأَرضه التي تقوم عليها الدولة ويخدمُ نظامَها رجالُ السُلطة.
وطالما الآباءُ المبارَكون، مؤَسسو الدستور، جعلوا هكذا قَسَمَ رئيس البلاد، فجميعُ سياسيي البلاد تحت هذا القسَم، تحت راية الأَرزةِ أَيقونةِ الوطن، تحت شَرَف العلم اللبناني، تحت سقْف دولةٍ تديرها سلطةٌ رجالُها خدَّامو شعبٍ انتخبَهم ليكونوا سُلطة في خدمة الدولة ويحافظوا بنظامها على هَيبَة الوطن بين أَوطان العالم.
شعبُنا، كي يستاهل انتماءَه إِلى وطنٍ مَنَحَه هويتَه، فَلْيَخْلَع عن أَكتافه انتماءَاته إِلى سياسيِّي الدولة ورجال السُلطة، وليَشْهَر ولاءَه للوطن تاريخًا وتُراثًا، فتَبْطُل الزعامات، وتترسَّخ الهوية، ويكبُرُ اللبناني بالأُمَّة اللبنانية نابضةً هنا وفي العالم، وينتمي إِلى وطنٍ لا هوية له إِلَّا واحدة وحيدة: لبنان اللبناني.

زر الذهاب إلى الأعلى