بأقلامنا

الحاكم المسؤُول: يجرؤُ على الاعتذار بقلم الشاعر هنري زغيب

“نقطة على الحرف”- الحلقة 1512
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 18 نيسان 2021

“أَعتذر منكُم جميعًا. أَخطأْتُ وخالفتُ القانون. قبل عامٍ أَصدرتُ تعليماتٍ حاسمةً للتباعُد الجَماعي درْءًا وباءَ كورونا. وجاء في تعليماتي أَلَّا يتعدَّى أَيُّ لقاءٍ عشْرةَ أَشخاص متباعدين في مكان واحد. انتظمَ شعبُنا وارتدعَ فلم يُصِبِ الوباءُ شعبَنا كما سائرَ البلدان. وكان عليَّ، بما أُمثِّل ومَن أُمثِّل، قبل أَيِّ مواطنٍ آخَر، أَن أَحترمَ هذه الإِجراءات. ولكنْ… قبل أَيامٍ، في عيد ميلاديَ الستين، حجَزَ لي أَولادي مطْعمًا دَعَوا إِليه أَهلًا وأَصدقاء بلَغُوا ثلاثة عشَر. وصل رجالُ الشرطة، اكتشفوا العدد، ونظَّموا بي محضر ضبطٍ بـ20 أَلف كْرون. سأَذهب غدًا إِلى المحكمة، أَمثُل أَمام القاضي، أَتلقَّى الحكْم، وأُسدِّد الغرامةَ مع تحيَّتي لِمن سطَّروا المخالفة، ومع تكرار اعتذاري من شعبنا فردًا فردًا، وحُزني على ما ارتكبتُ وخالفتُ به القانون. أَطلبُ منكم السماح، وأَتعهَّد لكُم جميعًا بأَلَّا أُكرر تلك المخالفة”.
هذه كانت شهادةً من مواطنة. مواطنة مسؤُولة. مواطنة مسؤُولة برتبة رئيسة وزراء. هي المواطنة إِرنا سُولبُرغ برتبة رئيسة حكومة النروج منذ ثماني سنوات.كانت أَصدرَت تدابيرَ احترازٍ وقائيةً، وخالفَت هي ذاتُها تعليماتِها، ونشرَت هذا الاعتذار على صفحتها الفايسبوكية فقرأَها ملايينُ مواطنيها، ولم تكتفِ بل صرَّحَت به في نشرة الأَخبار التلڤزيونية المسائية، وشاهد الملايين في العالم مسؤُولةً خالفَت القانون فخَضَعَت لعقوبة القانون. لم تعاقِب الشرطيَّ الذي سطَّر المحضر، لم تطالِبْ بعزْل القاضي، لم ترفُض المثول إِلى المحكمة، لم تتذرَّع بالحصانة السياسية، بل… اعتذرَت من شعبها فردًا فردًا. والمسؤُول المسؤُول من يجرؤُ على الاعتذار.
هكذا تكونُ الدوَل الراقية. هكذا يكون المسؤُول في الدولة الراقية. هكذا يكون العدلُ فوق الجميع، فلا يعودُ القانون وُجْهةَ نظرٍ، ولا يعودُ الدستور في حاجةٍ إِلى تفسير بنوده.
من هنا يجبُ أَن نبدأَ في لبنان: من بناء دولةٍ جديدة مع نخبةٍ جديدة من مسؤُولين حياديين غير مستزْلِمين، يَحكُمون البلاد بدون كيدية ولا زبائنية ولا انتماءات قبلية أَو عشائرية أَو محسوبية.
كيف؟ ومتى؟ الموعدُ آتٍ بعد أَشهر قليلة، نهارَ الانتخابات، حين يَذهب شعبُنا إِلى صناديق الاقتراع حاملًا كرامتَه في يدٍ، وفي اليدِ الأُخرى حفنةَ لعنةٍ وغضبٍ وحقْدٍ على كلِّ مَن أَوصل بلادنا إِلى هذا الانهيار، فيقترعُ لِمن لديهم رؤْيةٌ ورؤْيا وبرنامجٌ واضحٌ للبنان الجديد.
ثقتي كبيرة بشعبنا أَن يَقْلب الطاولة بما عليها ومَن عليها فلا يعيدَ مَن هُمُ اليوم حول الطاولة.
وثقتي كبيرة بأَنْ هكذا سيتغيَّر الوضع. وعندها نقول للنَروج وكلِّ نَروج بين الدوَل: هذا هو لبنانُ الجديد، طَرَدْنا منهُ جميعَ سياسيِّـي الطبقة الحاكمة الْكانت تَتَحَكَّم بنا، وجئْنا نحترم هُويةَ بلدانِكم، فَلْتَحْتَرِمُوا في بلادنا هُويةَ لبنان اللبناني.

 

زر الذهاب إلى الأعلى