بأقلامنا

مجزرة قانا صدى الدم بقلم الدكتور عماد سعيد

تنام قانا على مجزرة ، وتفيق على اخرى …
و بينهما يعيد التاريخ نفسه : الموت والدم ، و خمرة السيد المسيح (عليه السلام ) الذي انتزعه من مغارة الغضب … لبناً للحياة .
بين نيسان وتموز يذهب الزمن هدراً أو لنقل إنهما يتأمران على وقف تدرجنا المستقبلي ، لنقل أيضاً إن دم قانا الذي لا ينضب ، ينفخ النداء استغاثة ، بينما السراب يلف الصحارى العربية العظمى .
كيف لقانا أن تحتكر دمها ،
إنهما تراجيديا اغريقية .
ترى هل هو الزمن الذي يغادرنا ، ام دورة دم الحياة ؟
لا فرق ، فهذا الوطن المندهش ، بموت الأطفال و الارحام ، يتلقى الموت من حزن عاملي عتيق ، شاء قدره أن يضعه على منصة الشهادة ، و على تكرارها هناك ألم مستجد يحاكي ما ضينا ،
هل نحن نعيش في العدم … في عالم يجري وافر الأطراف … من دون حدود ترتجى ؟
إنها مفارقة … أن ندفع وحدنا ثمن أرث تاريخي هرب منه صانعوه و تركونا في قانا الجليل نسبح في دم أطفالنا بدل هدهدة تستبق الزمن لإحياء حلم جميل مات في دواخلهم ، ولكن حاولوا على الأقل أن يبعثوه في رؤى … حلم ، أطفالهم ، ليدركوا مستقبلاً كان على الدوام يسقط تحت نير العقب الحديدية .
حسناً … النساء اللواتي ذهبن إلى موتهم ، فيما لا تزال الاثداء تدر الحياة .
أولم ؟ إ نعش في زمن مغتصب ، باسم ديموقراطية جديدة تتوسل إلغاء الإنسان من تقويمها ؟ إ
قانا مجدداً تنتفض من ذاكرة المقابر الجماعية ، من عيون الأطفال البريئة التي تعقبت حلماً لم يصل .
هي ذي قانا ، اليوم كما بالأمس تدعونا لتلمس غد قد يغيب طويلاً ، اذا ما استلهمنا لغة الدمار الشامل التي تفرض على وطن شعاره أن يعيش بسلام ، فما كان عليه إلا أن يدفع ضريبة استرجاعية تعيدنا الى بعد ” توراتي ” و في البدء كان الدم .
مجزرة قانا الجديدة … زمن جديد يضاف إلى ما عهدناه لسجل ارتوائي لا يرى في الضحايا الأبرياء إلا حطباً يؤجج نيران الحقد المستعرة من شمال يفترض أن يكون في هوى القلب العربي قبل أن تتهاوى علينا الهزائم التي اخترناها سلفاً من دون ادراك أن هناك نافذة مشرقة ما زالت تتلهف للضوء .
أيضاً أنها مفارقة .
هذه الـ ” قانا ” البلدة الصغيرة التي تتعربش على إطلالة حب لمدينة صور ، لا ينقصها اليوم سوى ان تثقف ذاكرة و حضارة دول على امتداد الجغرافيا ، لتقول لهم : قولوا ما تشاؤون ، لكننا سنبقي أيدينا على الزناد سواء ذرفنا الدمع أو الدم ، فالحزن والوداع المؤلم هو قدرنا ، على بعد من طرف أخر يجاهد أن يحسبنا ذرى قمح تحت وهج أب .
تأخى الجنوب البطل المقاوم مع القدر ، ليكون الوحيد في المواجهة ، و نحن جميعاً لا نتهرب من هذا القدر ، لإيماننا ان الحرية … و الكرامة … و الإنسان فقط هم من يبني الحلم الذي نتبعه .
تنام قانا على مجزرة ، وتفيق على سلسة متراصة من شهداء لا تصل اسماؤهم الا كارقام لمحافل القرار .
لكن بالنسبة إلينا نحن الذين نداوي الجرح بالجرح أعمق ، لن نتعافى عن تعميقه أكثر من اللازم ، اذا ما كان ذلك ثمناً للحرية .
إن الحرية ليست حكراً على أحد ، فراحات اليد التي تندفع نحو ينبوع ماء ، لا بد للاكف أن تنهل من راحتيها جرعة لقتل العطش ، واستئناف المسيرة

رئيس جمعية هلا صور الثقافية الإجتماعية

 

زر الذهاب إلى الأعلى