شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
تحقيقات

اكتشاف مخطوطة لـموزار عمرها 250 سنة بقلم الشاعر هنري زغيب

غدًا (الأَربعاء 3 شباط/فبراير 2021)  ختامُ “أُسبوع موزار”، المهرجان الذي تنظِّمُهُ مدينتُه الأُمُّ سالزبُرغ احتفاءً بالذكرى السنوية لولادة ابنها يوهان وُولْفْغانْغ آمادِيوس موزار (الثلثاء 27 كانون الثاني/يناير 1756 – الأَربعاء 5 كانون الأَول/ديسمبر 1791).

هذه السنة، في الذكرى 265 لولادته، تميَّزت باكتشاف مقطوعةِ أَلِّغْرو للبيانو بخطِّه (وجهًا ومقلبًا) غيرِ معروفة ولا منشورة، يرجح الباحثون الخبراء بأَعماله ومخطوطاته، أَنه وضعها نحو سنة 1773، ولم تكن مكتشَفةً بعدُ بين سائر مخطوطاته التي ذاعت، ولا تزال منذ قرنين ونصف القرن غذاءَ الأُوركسترات الكبرى في كل العالم.

ولهذا الاكتشاف قصة.

المخطوطة التائهة

كانت إِذًا ضائعةً منذ 250 سنة: يومَ انتقلَت أَعمال موزار من ابنه الأَصغر فرانز إِلى هاوي الموسيقى الثريّ النمساوي آلُوْيْس فوخ (1799 – 1853)، ضاعَت سهوًا تلك المقطوعة ولم تتسجَّل بين سائر الأَعمال حين اشتراها في ڤـيينّا سنة 1880 تاجرُ كتبٍ قديمة ومخطوطاتٍ نادرة، عرَضها بالمزاد العلني سنة 1899 وبيعت على أَنها أَعمالٌ جميعُها معرُوفة ومعزُوفة، دون الانتباه إِلى مخطوطة بينها غير مكتشفَة بعد. ثم راحت تلك الأَعمال تتنقَّل عبر السنوات من مزادٍ علَني إِلى آخَر، ظنًّا من العارضين والشارين أَن قيمتها هي في كونها بخط موزار. مع أَن في “دليل كوخِل” للباحث النمساوي لودڤـيك ڤـون كوخِل (1800 – 1877) لأَعمال موزار، ذكْرًا لتلك المقطوعة في لائحة الأَعمال.

بقيَت المخطوطة المكتومة نائمةً بين مئات الصفحات بخط موزار، حتى جاء يومًا مَن يعرض سنة 2018 على “مؤَسسة موزار” في سالزبُرغ بعضَ مخطوطاتٍ لموزار كانت لدى أُسرةِ مهندسٍ فرنسي من أَصل أَلماني كان اشتراها من مزاد علني في پـاريس سنة 1929. أَجرى خبراءُ “المؤسسة” دراسةً علْمية دقيقة فتأَكَّد لهم أَن تلك المقطوعة أَصليةٌ وهي فعلًا بخط موزار، فضمُّوها إِلى مجموعة “المؤسسة” وأَعلنوا عن إِدراجها في برنامج العروض ووزَّعوا، مع الإِعلان عنها، نبذةً عن المؤَلف جاء فيها:

المبدع المتعدِّد

“لعلّ يوهان موزار أَعلى المؤلفين الموسيقيين موهبةً في كل تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. وُصفَت موهبتُه بـ”الإِلهية”، واتسعت على التأْليف وقيادة الأُوركسترا والعزف على الـپـيانو والأُرغن والكمان. وهو وضع تآليفَ للأُوپـرا والسمفونيا والكونشرتو وموسيقى الحجرة والكورس والآلات والأَصوات، في عدد كبيرٍ مذهلٍ في حجمه (893 عمل)، رغم حياته الضئيلة (35 سنة).

كان والدُه ليوپـولد مؤَلفًا موسيقيًّا طَموحًا وعازفَ كمانٍ معروفًا في سالزبُرغ. نشأَ ابنُه في هذا الجو فوضع أَول أَعماله: أُوپـرا “أَپـولو وهِياسنتوس” وهو في الحادية عشْرة. وبعد سنةٍ كلَّفه الأَمبراطور جوزف الثاني سنة 1768 وضْع عمل فكتَب أُوپـرا “البريْء المزيَّف” (في 3 فصول لسبعة أَصوات وأُوركسترا). سنة 1782 تزوَّج من كونْسْتِنْس ويبر، سيدة طيّبة ساذجة شبه أُمِّيَّة أَنجبت له ستة أَولاد عاش منهم اثنان: كارل وفرانز. وبين 1784 و1786 وضع تسعة كونشرتُوَات للـپـيانو، ورائعته “زواج الحلَّاق” (في أَربعة فُصول).

سنة 1787 وضع رائعته الثانية أُوپـرا “دون جوان” من فصلين على نص من لورنزو دا پـونتي. وفي سنواته الأَخيرة عرف نجاحًا شعبيًّا عاليًا لكثرة أَعماله المتعدِّدة المتلاحقة (41 سمفونيا، ومقطوعات كثيرة بين كونشرتُوات وسوناتات وسواها). بدأَت صحَّته تسوء فخفَّ عطاؤُه بدءًا من 1790. تجالَد على جسده النحيل فوضع سنة 1791 أُوپـرا “الناي المسحور” (من فصلين على نص من إِيمانويل شيكاندِر)، وكونشرتو للكلارينيت، ومقطوعةَ جنائزية بدأَ بتأْليفها في ڤـيينا عند مطلع الخريف لكنه لم يكمِلْها ليَشهَد عزفها، لأَن الموت قصفَه في الخامس من كانون الأَول (ديسمبر) قبل ستة أَسابيع من ذكرى مولده في 17 كانون الثاني (يناير).

“مؤَسسة موزار”

سنة 1880 نشأَت في سالزبُرغ “مؤسسة موزار الدولية” فجمعت من “مؤَسسة الكاتدرائية للموسيقى” كل ما كان لديها منذ 1841 أَمانةً من زوجته كونْسْتِنْس (1763 – 1842) وولديه كارل (1784 – 1858) وفرانز (1791 – 1844). وهي اليوم محفوظة لدى “المؤسسة” في “متحف موزار”: مقتنيات خاصة، مخطوطات، مطبوعات، رسائل، لوحات زيتية عنه، آلات موسيقية كان يعزف عليها. ومنذ 1956درجت “المؤسسة” على تنظيم مهرجان موسيقي سنويّ في “أُسبوع موزار” إِحياءً موعدَ مولده” (انتهى نص “المؤسسة”).

هذه السنة، احتفاءً بالذكرى 265 لمولد موزار، نظَّم مدير المهرجان (التينور الفرنسي المكسيكي الأَصل رونالدو ڤـيلّازون) برنامجًا لـ”الأُسبوع” (27 كانون الثاني/يناير إِلى 3 شباط/فبراير2021) افتتحه الأَربعاء الماضي بمقطوعةِ الـ”أَليغرو للـپـيانو” المكتشفةِ حديثًا أَدَّاها العازفُ الكوري الجنوبي الشاب سونغ دْجِن تْشُو (مولود سنة 1994)، وكان اسمُه لمع عالميًّا منذ فوزه بالجائزة الأُولى في “مسابقة شوپـان العالمية” السابعة عشرة (ڤـرصوڤـيا من 1 إِلى 23 تشرين الأَول/أكتوبر 2015). وقبل جلوسه إِلى الـپـيانو للعزف، ليلةَ الافتتاح، وقف مصرِّحًا: “سعادةٌ عظيمةٌ لي ولمسيرتي الفنية أَن تندرج في الافتتاح هذه المقطوعةُ المكتَشَفَةُ حديثًا، وأَن يكونَ لي شرفُ عزْفها للمرة الأُولى في أَول عرْض عالمي”.

وللمناسبة ذاتها، تصدُر المقطوعةُ في سالزبُرغ هذا الأُسبوع مطبوعةً للمرة الأُولى.

الخالدُون يولَدُون كل يوم

هو هذا سطوعُ المبدعين الخالدين: يموتون ذات يوم ثم يولدون كلَّ يوم عند اكتشاف عملٍ لهم جديد، أَو مخطوطة جديدة، أَو عمل لهم مطبوع يظهر في عزف جديد، في ترجمة جديدة، في طبعة جديدة، في بلد جديد، كأَنما موتُهم استراحةٌ قصيرةٌ من حياتهم الأَرضية الموَقَّتَة قبل ولادة حياتهم الخالدة التي لا إِلى غياب.

نشرت في النهار العربي بتاريخ 2 شباط 2021

 

زر الذهاب إلى الأعلى