بأقلامنا

( مفتاح العودة ) بقلم الشاعرة زينب دياب

سمعت جدي يغني باسما”، للوعد للأمل، للفجر المتجدد.
دنوت منه بعد إن أفاق من غفوته ليجد أن كل شيء كان سرابا” في مخيلته….
جلست قربه في شرفة بيتنا الصغير، إسترخى على مقعده ونفث دخان سيجارته…
تمطى عاقدا” ذراعيه وراء رأسه وألقى نظرة متأملة إلى البعيد حيث كان…. مسقط رأسه يوما” …..
قبض بكفه على مفتاحه المعلق بسلسلة حول عنقه، لا أذكر جدي إلا والمفتاح رفيقه الدائم، لم يفارقه أبدا”، رفعه نحو أنفه وأخذ يشمه بقوة..
قائلا” لي :
لقد صدأت حروف المفتاح من أملاح الحياة،. لكن عطره المختلف ما زال فواحا”، يحمل رائحة الوطن ، الذي أعشق من يسكنونه وأتماهى فيهم وأتألم معهم…
فيه ميزة لا يعرفها إلا الأحامس العاشقة للسماء والحرية، التي لا تهاب شهقة العمر الغابر ولا قسوة الإنتظار….
أكمل كلامه :
يا بني، الحروب تغتال الأوطان وتمسح ذاكرتها، والترحال يطوي الزمن ولا يبقى سوى خيالات الأمس البعيد التي تجوب الذاكرة بلا ملل…
تشبثت بالحياة على أمل العودة بعد إن شقت ثغور الأمل طريقها لقلبي، لكن قلبي لم يستطع أن يغزل أثوابا” أرتق بها ذاكرتي لوطن بديل….
نيران أشواقي لظاها شديد..
” كلما قرأت شيئا” عن نعيم الجنة شعرت أن الله يتحدث عن فلسطين “….
فجأة اتسعت مقلتاه، أحس بالإختناق ربما بدنو الأجل…
أخذت أدلك صدره، للمرة الأولى أرى دموع جدي تنهمر بعد إن كانت تأبى النزول…
همس لي بصوت متقطع :
أعذرني يا بني قد يطول الغياب، أنا ذاهب وقلبي نازف، أنت الأمل المتبقي لي في هذه الحياة….
هناك خلف ذاك الجبل تركت ظلي أعده لي قبل أن تغمض جفون الإنتظار ويبتلعنا بئر الظلام….
أسلمني مفتاحه وروحه ودخل في صمته الأبدي….

زر الذهاب إلى الأعلى