بأقلامنا

نص كلمة الحاج محمد حرقوص في حفل توقيع الكتاب الحادي عشر للاسير المحرر عماد سعيد في صور

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وجميع الانبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الميامين

سعادة النائب الاخ علي خريس
قيادة اقليم جبل عامل
رؤساء البلديات والمختارين والجمعيات
الصديق العزيز الأسير المحرر الكاتب د عماد سعيد
أيها الحفل الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك في زنازين الكرامة حكاياتٌ يكاد همسها يضئ بشمسها، امساً غير قابل للنيسان …هناك في المعتقلات المعاقل تسربل الرجال بالعز، وتسربلت النساء بالعنفوان الزينبي، فغدت الاصفاد أوهن من الأيدي المكبلة ..كانوا هناك يشمون رائحة الارض ، بجوعون ويعطشون ويبردون ..لكن التعذيب ينكسر أمام صمتهم ،والتحقيق يعجز عن سبر أغوار قلوبهم النابضةِ بالمقاومة..هناك خلف الأسلاك الشائكة كانوا يحفرون أنفاق الحرية مرة مع عاطف الدنف ، ومرة مع عباس بليطه ورفاقه الشهداء ، فتنحفر في ذاكرتنا بطولاتهم .. كانوا يحلمون بطائرة زهير شحادة تحلق بهم أعلى من الخيام وأبراج الحرس ..صفحات عز من الانتفاضات في عتليت وأنصار والخيام. سلكوا جلجلة المقاومة فكانوا آيات الفداء وكان الزمن المقاوم طوع أيديهم. يلاعبون الموت في حضرة الجلاد ،من حفرة الخيمة ، إلى الكشافات وأعمدة التعذيب الى عصا المحقق والصلب والكرباج واسلاك الكهرباء ..ومن كل هذا ترمق عيونهم الافق شاخصة ترتقب فجر التحرير. فمن ليالي انتظاراتهم أشرقت صباحات الانتصارات، وفي عودتهم كانت عودتنا الى الحب والحرية… كانوا هناك كلنا .. كانوا نبض شعبنا، وملح ارضنا، ومن زنزانة القهر اطلّوا رجالًا، في ظلالهم يغفو التراب آمنا مطمئناً، وفي نضالهم نتلو الكتاب بالنصر والفتح المبين. بمشاعر حنين جياشة أتأمل هذا المشهد وأنا بينكم يسافر بي إلى زمن مضى، إلى الأصل في المقاومة والزمن الجميل والمكان الأجمل؛ إلى مكانٍ كان ولا يزال نبعًا متدفقًا للعلم ومَعينا لا ينضب للمعرفة، النبع الذي من معينه اغترفت أجيال العلم، ومنهم زوجتي وأولادي… كانوا طلابا على مقاعدها ، وعندما تحتفل المدرسة الانجيلية قبل أيام بمائة وخمسين عاما من تاريخها بالعطاء فيه دلالة على تاريخ مدينتا العريق ، صور الابجدية والحرف والعصية ايضا على كل غاز ومحتل .
ومن دواعي الفخر والاعتزاز أن تلقيت هذه الدعوة الطيبة والكريمة، من اخي الاسير المحرر الذي عانى في سجون العدو، فحاول أن يكتب معاناته واخوته الاسرى ، ليؤرخ حِقبةً مضئيةً من تاريخنا ، وإذا كانت الذاكرة البشرية الشخصية هي عماد حياة الفرد، فإن الذاكرة التاريخية الجماعية هي أساس تطور المجتمع وتقدمه.وان التوجهات والاختيارات الوطنية والنضالية للمجاهدين والمقاومين والمناضلين وصناع ملحمة قهر الجيش الذي كان لايقهر عرضة للتحريف او النسيان
دون ذاكرة تاريخية موسوعية شاملة ومتكاملة . إنّ كتابةَ و تأريخ تلك اللحظات المشرقة التي يتم الاحتماء بها عند الشدائد ،يوم استلهمنا مع قادة المقاومة من حكايا رواد سبقونا ، دافعًا لنا في الجهاد من الامام شرف الدين ومؤتمر الحجير وصادق حمزه وأدهم خنجر الى الأخضر العربي وأبو علي إياد، نموت واقفين ولن نركع. ومن الرؤية البعيدة المدى
للامام الصدر ونظرته الثاقبة والسابقة لسنوات الاحتلال الصهيوني للجنوب .يوم اعلن عام 1969 ان اسرائيل بوجودها وبما لها من اهداف تشكل خطراً علينا محدقاً وعام 1974يقول واجب كل مواطن ان يقاتل واجبنا ان نكٓون مقاومة لبنانية قبل ان نشرد من ارضنا،من هذا البعد التأسيسي للامام ومن الشعار الفتوى اسرائيل شر مطلق انا التعامل معها حرام استلهمنا المسيرة في المقاومة.

أيها الحفل الكريم
بحضور صفوة من المقاومين والأسرى والاعلاميين والمثقفين والمهتمين من فئات الرأي العام المحلي يدفعني هذا الحضور إلى سؤال يتناول تأريخ ذاكرة المقاومة، ودورها في تحديد ورسم معالم الهوية الوطنية، وترسيخ قيم الدفاع عن الوطن لدى الناشئة والأجيال .لأن تلك الحِقبة خُطَّتْ بدم الشهداء وزُخْرِفَتْ بشهب النار، تَعبقُ منها رائحة البارود ويُسمعُ بين أسطرها دوي الرصاص ووقع المعارك …وعذابات الاسرى ، إنها تراث لا يُترك على الغارب…
إنّ عدم معرفة أهمية الحفاظ على الذاكرة والتاريخ، كانت هاجسَ الشهيد القائد محمد سعد. فثمةَ مقولةٌ تقول «الشعب الذي لا يعرف ماضيه لا يقدر على فهم واقعه، وبالتالي يعجز عن السيطرة عليه، ما يعني أن آخرين سيُسيطرون على هذا الواقع بدلاً منه».
ان ذاكرة المقاومة التاريخية ، والتى هي روح الأمة ومكنوناتُها هي محطاتٌ تاريخيةٌ مفصلية حددت قَدَر الوطن. إنها التوجهات والقناعات و المواقف البطولية في أوضاع الشدة والضيق كما إنها قصص رجال ونساء شيمهم الإخلاص والوفاء والبذل والعطاء والتضحية في وجه العدو. واجبٌ علينا إحياؤُها وتوثيقُها وتدوينُها وتلقينُها.عبر تفعيل الدور التعبوي للمؤسسات التعليمية والتربوية، ووسائل الإعلام والاتصال ومنظمات المجتمع المدني لأنها هي التي صنعت الحرية والعزة التى نعيش فيها اليوم، وهي التى توحدنا وتنزعنا من صراعتنا العرقية والطائفية والمذهبية، وهي التي حددت معالم الطريق ، وليس حسب مخططات أولئك الذين يدفعون باتجاه النسيان أو التحريف،اوشيطنة المقاومة واتهامِها بالارهاب وفرض الحصارعليها .وحين يقول الرئيس بري في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي في الاردن: “ان المقاومة اولا واحدى عشرة كوكبا وشهدنا محاولات القفز على الوقائع التاريخية المتصلة بفلسطين وشهد حزيران الفائت ذكرى مرور نصف قرن على احتلال فلسطين والجولان والاراضي اللبنانية في مزارع شبعا والنقاط السيادية المتحفظ عليها لبنانيا والمنطقة الاقتصادية الخالصة .”يلفت انتباهنا بأننا لن نكون مالكي حاضرنا، ومن ثم مستقبلنا إلا عبر إحياء ذاكرتنا التاريخية والحفاظ عليها. وهذا واجبٌ وطني و كلمة سرّ الثبات والبقاء، وهمزة الوصل بين الماضي والحاضر، وقدرة استشراف المستقبل، وضمانة تدفّق ثقافة المقاومة اللازمة والضرورية لتقوية الشعور الوطني والاعتزاز بالانتماء له، والتباهي بالمقاومة والمفاخرة بها لتكون نبراس للشعوب المضطهدة .
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زر الذهاب إلى الأعلى