بأقلامنا

بعيداً عن الحاضر المقيت، وعودة الى التاريخ المجيد الصوريون يكتشفون أميركا قبل كريستوف كولومبوس بألفين وأربعماية سنة بقلم الدكتور حسن دياب

بعيداً عن الحاضر المقيت، وعودة الى التاريخ المجيد

الصوريون يكتشفون أميركا قبل كريستوف كولومبوس بألفين وأربعماية سنة

بلغت صور أوج عظمتها ومجدها وثروتها منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حيث انتقلت اليها زعامة المدن الفينيقية من صيدا التي تراجعت قوتها كثيراً بسبب غزوات شعوب البحر ومنهم قبائل الفلسطو. ولقد تسنى لأبناء المدينة بفعل مهاراتهم وشجاعتهم ومغامراتهم التي لا تعرف الحدود ركوب البحار بسفنهم القوية والقادرة على إجتياز المسافات القريبة والبعيدة. وكانت حدود مملكة صور تمتد من صيدا شمالاً الى مدينة دورا قرب عكا جنوباً ، وشرقاً السلسلة الشرقية وجبال حرمون. ولتطوير وتقدم نشاطاتها المختلفة، أنشأت العديد من المحطات والمراكز التجارية، وأقامت طرقاً بحرية بين الشرق والغرب. وسرعان ما تحولت هذه المراكز الى مستوطنات دائمة. ومن أبرز هذه المحطات التجارية التي أسستها باكراً هي مدينة أوتيكا في تونس سنة 1100 ق.م. وتلتها مدينتي حدرموت وطنجة في الألف الأول ق.م. ثم مدينة كيتيون في قبرص، إضافة الى مدن عديدة في جزر بحر إيجة وصقلية وجنوب إيطاليا ومالطة وسردينيا حتى قادش على مدخل المحيط الأطلسي. وكان من أهم هذه المدن هي تلك التي أسستها صور كانت مدينة قرطاجة التي بنتها الأميرة أليسار أو ديدون إبنة ملك صور ميتان سنة 814 ق.م. وبعدها مدينة سبراتا sabrata في تونس في القرن السابع ق.م. ومدينة موغادور( الصويرة) في المغرب، ومدينة لبدة في ليبيا ، وغيرها من المدن في منطقة المغرب العربي. ويذكر أحد علماء الآثار الإيرلنديين في كتابه” ايرلند الفينيقية” بأن أبناء صور وصلوا الى مدينة كومبريدج شمال شرقي بريطانيا ، ويبرهن عن ذلك من خلال إكتشاف هيكل للإله ملقارت الصوري نُقشت عليه العبارة التنالية:” إلى الإله هرقل الصوري تقدمة الكاهنة الكبرى ديودورا (Diodora) .ويذكر الجغرافي والباحث اليوناني الشهير استرابون Strabon بأن صور الفينيقية وابنتها قرطاجة أسستا وحدهما أكثر من ثلاثماية مدينة ومحطة تجارية في حوض البحر المتوسط. وعُرفت هذه الفترة من الإزدهار والتوسع، والممتدة من القرن الثاني عشر الى القرن الرابع ق.م. بالعصر الذهبي لفينيقيا عامة ولمدينة صور بشكل خاص .

لقد ساهمت خبرة الصوريين ودقتهم وحكمتهم بالفنون البحرية عن طريق استخدامهم للنجم القطبي في أسفارهم الليلية ، فضلاً عن امتلاكهم سفناً كبيرة ، مميزة بأشرعتها ومجاذيفها وجمالها وسهولة حركتها، وحبهم للمغامرة واكتشاف المجهول، في الإبحار بعيداً باتجاه عالم جديد كان مجهولاً، سمي فيما بعد بالقارة الأميركية. ففي عام 1872 تم اكتشاف لوحة صخرية باللغة الفينيقية في ولاية باراهيبا شمال شرقي البرازيل، يقول النص حرفياً:” نحن أبناء كنعان من صيدون مدينة الملك، التجارة رمتنا على هذا الشاطيء البعيد في السنة التاسعة عشرة لحيرام ملكنا القدير، وقدمنا ذبيحة بخور للآلهة، وأتينا من عصيون جابر، على البحر الهاديء، ذهبنا بعشر سفن ، وكنا في البحر معاً سنتين حول أرض حام، ثم إنفصلنا بيد بعل ، فأفترقنا عن رفاقنا وأتينا الى هنا إثني عشر رجلاً وثلاث نساء، أنا الرئيس متعشترت، نرجو رضى الآلهة علينا”. العالم الأركيولوجي الأميركي الدكتور سيروس غوردون( Siros Gordon )، قام بتحليل لوحة باراهيبا، وأكد أن هذه اللوحة وثيقة حقيقية أصلية، وأن الملك المذكور هو حيرام الثالث ( 552-532ق.م.) ملك صور.

ويُرجح بأن هذه الكتابات كُتبت عام 531 ق.م. . مع العلم أن ملك صور في تلك الفترة كان يُطلق عليه ملك صيدون أيضاً، وذلك بسبب زعامتها وسيادتها على المدن الفينيقة قاطبة. كما عُثر على صخرة كبيرة بإسم (غافيا) على شواطيء ريوديجينيرو في البرازيل تحمل اسم صور فينيقيا “صور فينيقيا ، باديزور، بكر جيتبعال” . كما تم اكتشاف نقش لساحة تجارية فينيقية في شمال أميركا بأحرف ( ف – ن – ق ) وتُقرأ فينيقي، وهي ساحة لتوزيع البضائع الفينيقية. ووجدت عملات معدنية فينيقية كثيرة في أماكن مختلفة من أميركا القديمة. وفي سنة 1889 أصدر العلامة المؤرخ فيكونت اونفرا Veconte Onfroi) ) كتاباً بعنوان “الفينيقيون في جزيرة هايتي وفي القارة الأميركية”. وقد درس هذا المؤرخ لغة التينو المتداولة في جزر الأنتيل ، واستعرض الكلمات والأسماء الفينيقية التي تطعمت بها لغتا القبائل الأصلية، واستنتج أن حوالي 100 كلمة من لغة التينو Taino هي من أصل فينيقي، وتشكل ربع الكلمات المعروفة في لغة الكاراييب وعدده 400 كلمة. كما قدم بحثاً وحججاً علمية تثبت أن بلاد أوفير ومنطقة ترشيش اللتين ذكرتا في التوراة، تقعان في حوض الأمازون الصالحة للملاحة، حيث كانت سفن حيرام ملك صور، وسليمان ملك اسرائيل تجلب منه” ذهباً وفضة وعاجاً وقروداً وطواويس وخشب الصندل والحجارة الكريمة” ( الملوك الأول 9/12) .

وفي عام 1990 أصدرت عالمة الآثار الإلمانية هاينكة زودهوف كتاباً بعنوان” معذرة كولومبوس لست أول من اكتشف أميركا”، وذلك بعد أن قامت برحلات متعددة الى دول ومناطق أميركية مختلفة، وأثبتت بالبراهين العلمية الآثارية، ومن خلال المقارنات اللغوية، ومن العادات والشعائر المقدسة والقرائن المتنوعة بأن الفينيقيين كانو يبحرون بإنتظام بعد تأسيس صور لمدينة قادش في المحيط الأطلسي. وكان للصوريين الفينيقيين سفن صالحة للنقل والإبحار لمسافات طويلة، ويتفق هنا جميع المؤرخين بأنهم كانوا بحارة ماهرين ومغامرين. وتذكر زودهوف بأن لغة المايا المنطوقة في مناطق أميركا الجنوبية هي متشابهة جداً مع اللغة الفينيقية .

كما تثبت الكتابات القديمة، ونصوص مدوني تاريخ العصر القديم وعلماء الجغرافية، أمثال سترابون، وهيرودوت وبورفوريوس، وديودوروس، وسيكولوس، وكلاديوس أليانوس، وأفينوس، وأريسطو والشاعر هوميروس وأقوال النبي حزقيال في التوراة، كل هؤلاء العلماء خصصوا للفينيقيين والصوريين والصيدونيين بشكل خاص مساحات واسعة من كتاباتهم لأسفارهم الى شواطيء أفريقيا وأوروبا وإلى “الجزر النائية”، وروايات مسهبة عن شجاعتهم ومغامراتهم وفنونهم الملاحية عبر البحار.

ملاحظة : مقتطفات من بحث طويل موثق من خلال المصادر الأجنبية والعربية القديمة والحديثة
د. حسن دياب

زر الذهاب إلى الأعلى