بأقلامنا

كلمتي في احتفال توقيع كتاب بيادر التعب في شحور في ٨ تموز ٢٠٢٣بقلم الحاج كامل خليل

كلمتي في احتفال توقيع كتاب بيادر التعب في شحور في ٨ تموز ٢٠٢٣
باسمه تعالى
وأنا أحبو، إذ كنت صغيرًا، بين أقحوانةٍ ربيعيَّة، وسنديانيةٍ قرويَّة، بين الميابر والبيادر، تنفست من عرق الفلاحين، وتعب الكادحين، من عبق الطيون في البطاح والدواوير، ومن رائحة التبغ في الحواكير.
وحين كبرت، كنت أعبر بين الأزمنة والأمكنة والأرصفة، فأسكرتني رائحة دماء عتيقة، كانت لا تزال رطبةً، حيّةً، نديَّة. فصرت، من هذا وذاك، أترنح بين الكلمات والحروف، كي أعثر على مفردات ذات دلالة، وجمل فيها الكفاية، تفي جهاد الغابرين، ونضال المعاصرين، فأكتبها، وأُثبِّتها في ذاكرة جيلٍ شابٍّ أتى، وآخر سيأتي. وإذ بي أستفيق، فلا أجد سوى كلمات رتيبة، مجحفة، قاصرة. لكني، رغم ذلك، ازجيتها في حضرتكم، في صفحات مرصوصة، وبكلمات مصفوفة. فكانت مجرد كلمٍ متواضع، خُط بحبرٍ رخيص، لا قيمة له، أمام تضحيات المجاهدين، وعطاءات المقاومين، وأمام آلام الجرحى، ومعاناة الأسرى، وعولة الثكلى. لا وزن له إزاء صمود أشرف الناس، وأكرم الناس، وأطهر الناس، وأثبتهم في خط المقاومة والجهاد، منذ عقود، يوم قيل عن أجدادنا الأوائل، بأنهم “أبناء أم علي.
لقد صار “أبناء أم علي” يرسمون راياتِ العلى العليَّة، ويبنون أقواس النصر والكرامة، في الدور والساحات البهية، وعلى أبواب القرى والدساكر الأبية، وصار يليق لهم إسم “علي”، وذكر “علي”، ونعت “علي”، وفي “علي” كلُّ الإيمان والتقى، والزهد والعلم، وفيه الرجولة والبطولة، والسماحة والشجاعة والإقدام.
من زمن “ناصيف النصار”، و”الحاج علي الزين”، وموقعتي “كفررمان” و”شحور”، إلى السيد “عبدالحسين شرف الدين”، والإمام “الصدر”، إلى الشيخ “راغب”، و”محمد سعد”، والسيد “عباس”، و”عماد مغنية”، و”مصطفى بدرالدين”، و”قاسم سليماني”. وفي الدرب ذاته “جمال عبدالناصر”، و”أنطون سعادة”، و”تشي غيفارا”، وخليل الوزير”، و”بشار الأسد”، وقوافل من الشهداء، بطلٌ يحمل البندقية، قبل أن تسقط من يد بطلٍ قبله، ومناضلةٌ ترسم شارة النصر بأصابع رفيقتها الشهيدة، “سناء محيدلي” و”لولا عبود” و”دلال المغربي”، و”أم ياسر”، رفيقة السيد “عباس”.
من غابر الزمان، إلى تاريخ نصب الخيام في “شبعا”، وتلال “كفرشوبا”، جاء تموز، يمحق هزائم حزيران، وما قبل، من النكبة إلى النكسة، فالإجتياح، بدماءٍ نقيَّة، وأرواحٍ زكيَّة، كتبت بالأنامل والمدامع: ولَّى زمن الهزائم، وجاء زمن الإنتصارات.
بل جاء مسك البداية، لسيد المقاومة والإنتصار، حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصرالله.
لقد جمعت في “بيادر التعب” ترابًا، وتبرًا، ودمًا، وأشواكًا، وأغلالاً، وغلالاً، وأسماء، وأحداثًا.
انتقيت من غمار السنابل التي حصدتها زنود أجدادي، ومن حمائل الحطب والبلان التي التقطتها أيادي جدَّاتي، فجعلت من فاضل ما بقي عنهم، كواغد، وقراطيس وأقلامًا.
لقد جمعت بأنامل الحرص، من زيت القناديل، ورماد المواقد، ودماء الأوفياء، ما جعلت منه حبرًا أخطُّ به ما جال في فؤادي، وطرأ على ذهني، وما عشته، من عذابات أهلي، وبطولات إخوتي، ومرارات أخواتي.
“بيادر التعب”، لإخوتي، لأبناء جيلي، أذكِّرهم بماضٍ ما نسوه، ولن ينسوه، وحقائق لن تغيب عن بالهم، ليظلوا على دراية بقيمة ما فعلوا، وحقيقة ما أقدموا عليه، أذكِّرُهم بأين كنا، وأين صرنا، بل كيف كنا، وكيف صرنا.
“بيادر التعب” لأبنائي وبناتي، أحكي لهم عن جبين أبي الذي قطَّعته السنين، وعن كف جدي الذي اخشوشن من ضرب المعاول، وحصى الموارج، وحبال السلال. عن زيتونةٍ مباركةٍ زرعتها جدتي ذات يوم، في ميدون وصافي ، والسلوقي، ثم سقاها، بالدم، شابٌ من بقاع الكرامة، مثلما رواها بالجراح جنوبيٌ من أرض عاملة.
“بيادر التعب” لأبنائي وبناتي، أحكي لهم، كيف ولدنا، وكيف عشنا، وكيف سنموت. واقفين، ثابتين، راسخين في الأرض، خلف سيدنا المقاوم، مثل سنديان الجنوب، وزيتون الجنوب، وتبغ الجنوب. ما دامت بعلبك في مكانها، وقلعتها في شموخها، وما دام الدم يجري في العروق.
الشكر كل الشكر لحضوركم الراقي، ومشاركتكم الفاعلة، لكم مني كلًَّ تقديرٍ وثناءٍ وشكرٍ وإحترام، علماء ونوَّاب وشخصيات، إخوةً وأخوات، سادةً وسيدات، وعليَّ أن أخص، “ملتقى أبناء شحور”، الجهة الدَّاعية إلى الحفل، بإدارته ورئيسه، الأخ العزيز، رفيق الصبا، وشريك الدرب المزهر بالعطاء والجهاد، الحاج “محمد خليل (أبوحسن)”، والمبدع، تالي الذكر، ومرتل الكتاب، الأخ “لقمان عيَّاش”، والشاعر العزيز، الصديق، الحبيب، حسين الزين “أبوقاسم”، ولراعي الحفل، الوتد المتين في هذه المسيرة المباركة، المجاهد المؤسس، والقيادي الحكيم، رحيم هذه المسيرة، حين يكون في حضرة الأهل والشهداء والمجاهدين، وشديدها القوي، حين يقف بوجه الأعداء والمنافقين، الأخ المجاهد رئيس كلتة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد. فلكم مني جميعًا، كل الحب والوفاء.
زر الذهاب إلى الأعلى