بأقلامنا

دسائس تاريخ لبنان القديم والحديث يعاد في تناحر دائم ومكائد خارج مصالح الوطن! بقلم //جهاد أيوب

ما من مرة حاولنا القراءة في صفحات تاريخ هذا الكيان اللبناني إلا ووجدنا أن ذاك الزمان هو ذاته في هذا الزمان دون تغيير، ولو أخذنا بتفسير الزعامات التي كانت مع طوائفها المتنامية المتناحرة نجدها هي ذاتها اليوم ومع ذات التناحر والطوائف، والقاسم الوحيد المشترك أن هذا التاريخ كتبه المنتصر الغربي، ولم نكتبه نحن، ربما لخوفنا من مرآة حالنا، وفضائح واقعنا في كيفية التعامل مع كل محتل، وربما لحفاظنا على الموروث في قلب الحقائك، وتزوير الظروف والقصص والبعد الطائفي والديني وتواريخنا…نحن لم نكتب تاريخنا، وكل قبيلة، جماعات، وطائفة كتبت ما يرضيها، وإذا قررنا قراءة تاريخية حاسمة نذهب إلى ما كتبه غيرنا من الاوروبيين، والغربي يكتب كما يشتهي لكونه يعرف عوراتنا أكثر منا بحيث نحن نجعل من الخائن بطلاً، ومن البطل رئيساً لعصابة خارجة عن القانون، والشواهد كثيرة!
وحينما نلوج في التاريخ بشكل عام نجد أن القتل والاقتصاد يحكمان الأرض وحروبها، بينما في لبنان منذ تاريخه نجد أن معادلة القتل الكيدي والزعامة وفساد الحاكم تحكم وجوده، ولو اخذنا مثالاً مرحلة الحكم العثماني لهذه البلاد سنجد أن حياة المواطن وضعت تحت رحمة زعامات فاسدة، وسلطة غائبة، وأن الباب العالي يسلح الاتباع الخطيرين ضد الآخر، واعداً كلاً منهما بميراث خصمه، وبذلك يتم القضاء على الاثنين في وقت واحد، أي ان الباب العالي ينفذ هذه القاعدة في إدارة سياسة استعماره لبلادنا بعد أن كشف تناحر قبائلها، وطوائفها، وحقد الأشقاء في العائلة الواحدة من أجل السلطة قبل حضوره، وهو دعم هذا التناحر الذي أدخل تلك المجتمعات المتناثرة إلى الفقر، والتحلل الأخلاقي التام للعائلات التي رسمت وجودها من خلال المكائد فيما بينها، وقتل الاخوة، وظلت إلى يومنا هذا أمينة على العداوة المتوارثة حتى في مفهوم المقاومة ضد الاحتلالات المتعددة على أرضنا دون الأخذ بأن المحتل مهما طال زمانه لن يبقى في بلادنا لكونه غريب عنها، ووجوده مرحلة لطمع اقتصادي بحت ليس أكثر!
ثلاثة قرون ونصف عملت الحكومات العثمانية في هذه الأرض اللبنانية على تناقضات شعوب المنطقة، وأن القضاء على الأخ بواسطة أخيه قاعدتها الأساسية، وقد استغلت ذلك أفضل استغلالاً، وهي لم تأتينا بجديد حيث وجدت شغل شاغل العائلات اللبنانية الحاكمة آنذاك أن شغل الشاغل لديها هو قيامة الأخ بالدس على أخيه عند المحتل، وهذا حدث دائماً مع كل محتل صليبي وعثمان وفرنسي وغربي وإسرائيلي لبلادنا، ومع الوجود السوري والعربي أيضاً!
دسائس الأمس هي ذاتها دسائس اليوم التي اشتهر بها حكام جبل لبنان، وكل جهودهم انصبت في إرضاء المحتل لكسب الزعامة، والزعامة لم يكن همها إصلاح العباد والبلاد بقدر المكاسب المالية الخاصة، وكم ذاك الأمس يشبه اليوم!
لو أخذنا من تاريخنا مثالاً على ذلك الأخوة الشهابيين ” الشهابية اشتهرت بالدسائس والفتن العائلية” الأمير أحمد ضد شقيقه الأمير علي، وفتنة اليمنيين والقيسيين وقتالهما عنفاً وحشياً يشبه ما حدث في حروب 1975 وحتى يومنا هذا إن تكررت الحرب الأهلية اللبنانية!
وكذلك في عهد ملحم، وفي عهد ولديه أحمد وقرقماس لم تتوقف الفتن والمكائد والحزازات بين القيسيين واليمنيين، والبلاد كانت قبلهم ومعهم وبعدهم وإلى يومنا هذا غير متوافقة فيما بين طوائفها وشعوبها رغم تناقص السكان بسبب الهجرة الدائمة، وإهمال الحكام أو الدولة، وتقلب المنطقة سياسياً، والتقرب من المحتل أو الغريب دون إبن البلد، وهذا أبعد المواطنية التي لم تحدث كلياً كلياً في حلم الكيان حتى اليوم، لا بل شبه غائبة!
ويقول المؤرخ قسطنطين بازيلي أن رجال الدين آنذاك ومن كل الطوائف يقفون مع الأقوى والأكثر ثراءاً، ومع زعيم مللهم ضد الوطن والمواطن، ويدعمونه دينياً خاصة عند قبائل المسيحيين الموارنة والأرثوذكس والدروز…وكم يشبه الأمس باليوم!
عام 1693 قرر باشا طرابلس معاقبة الشيعة أينما وجدوا لكونهم شكلوا جماعات مقاومة ضد الاحتلال العثماني، وكلف الأمير فخر الدين بمقاتلة الشيعة أو المتاولة في جبيل، لكن فخر الدين ماطل بالطلب لكون المقاومة الشيعية آنذاك انهكت جيشه ( الوجود الشيعي في حبيل وكسروان كان اساسياً وليس طارئاً كما يزور البعض إلى أن كانت حملات المماليك الأربع على كسروان وجبيل وآخرها العام 1305 في 3 محرم حيث وجه آقوش نائب المماليك في الشام جيشاً بلغ خمسين الف محارب ليخرب القلاع، ويقطع الكروم، ويفرق ويهجر الأهالي، وقتل الكثير منهم، ففرغت تلك المناطق من الشيعة إلا القليل منهم، وبعضهم غير مذهبه، لتبدأ هجرة الموارنة إليها)!
حينما دخل الصليبيون هذه البلاد لم يتوافق سكان هذه المنطقة على مقاومتهم، والخلافات دأبت ضدهم، وعدد كبير من المسيحيين وقفوا مع الحملة الصليبية، وطالبوا بقتل كل من يقاومها، وكذلك زاد الخلاف الشيعي والسني والدرزي فيما بينهم حول المجابهة!
وحينما احتلت روسيا هذه البلاد ايضاً ليوم واحد بعد العثمانيين لم يشعر بوجودها آحد لكثرة خلافات الطوائف فيما بينها، وكذلك مع الاحتلال الفرنسي وهو ليس ببعيد، وأيضاً كان الانقسام اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً!
ولو وصلنا إلى الإحتلال الإسرائيلي وغزواته في السلم اللبناني أيام اقتحام مطار بيروت الدولي أوائل السبعينيات، وتدميرها لطائرات خطوط الشرق الاوسط، وبكاء الرئيس شارل الحلو على أطلال حطام الطائرات دون أن يكون بإمكانه المقاومة، يومها لم يجتمع الرأي العام حول الحدث!
وينطبق ذاك الحال على مقاومة 1982، والانتصارات النموذجية التي حققتها على العدو الصهيوني، ومع ذلك حقد المجتمعات اللبنانية على ذاتها ووجودها أفقدها الاستفادة من تفوق المقاومة لبناء دولة جامعة، ووطن للجميع، ومواطنة فاعلة في بناء وطن حقيقي!
مجرد مراقبة نجد من وقف ضد المقاومة في ذاك الزمان هو ذاته يقف اليوم ضد المقاومة مع إختلاف في ربطة العنق!
يقول الباحث الروسي قسطنطين بازيلي في كتابه “سوريا وفلسطين” :”أن الكنيسة المسيحية، وغالبية افرادها كانوا يسعون لحل مشاكلهم الكبيرة والصغيرة منها إلى القناصل المتواجدة على أرضها حتى لو كان الخلاف بين الزوج وزوجته، خاصة القناصل الفرنسية منها دون الاكتراث إلى طبيعة بلدهم وتقاليدهم ومن يعيش معهم، وكذلك حال بعض الطوائف الآخرى”!
ولو قرأنا ما حدث في لبنان ما بعد الاحتلال الفرنسي بمسؤولية وطنية خارج القبيلة والطائفة، واقتربنا إلى المقاومة في لبنان لكل محتل نجد عدم الاتفاق عليها رغم أن المحتل هو العدو، وهو واضح في اطماعه، وزرعه التفرقة، ولكن العنصر الطائفي اللبناني مشبع بالتناحر وبالدسائس على شقيقه، وكل حكايات وأحداث الأمس هي ذاتها اليوم، واستطاع كل من غزانا بعد أن أدرك أمراضنا اللا وطنية، واللا جامعة زرع المكائد لتفكيك العنصر الشعبي في رؤية هوية جامعة للشعوب اللبنانية الذين يعيشون في وهن الوطن، وقد نجحت في قهر القاعدة، وخلفت فوضى معيشية، واجتماعية وسياسية واقتصادية، وهذه المظاهر تمتد إلى أيامنا وبالوسائل نفسها، وللأسف لا يزال اللبنانيون يعيشون مظاهر وجودهم من خلال الحالة الخارجية حسب ما تقتضيه ظروف العصر والمحتل الأقوى لبلادهم ولاقتصادهم، وضد الطائفة الآخرى من طوائف تدعي العيش المشترك، لا بل القسم الكبير منهم يذهب إلى العدو كي ينصره على إبن وطنه!
قراءة الأمس هي أحداث اليوم في لبنان وتناقضات وجوده.

زر الذهاب إلى الأعلى