Uncategorizedثقافة ومجتمع

قانا قُتِلَت مرتين وقامت بقلم الشيخ ربيع قبيسي

قانا صبيةٌ في ربيع العمر ، أحلامها ورديّة وملامحها بريئة وبسمة ثغرها المتفائل دوما تحكي لنا المستقبل ، خانها حظُّها وألبسها ثوب الكفن بدلاً من فستان الزفاف …
قانا التي لم يرويها ماء نيسان فأغرقتها دماء أطفالٍ بريئةٍ وشيوخٍ أعجزها المرض ونساءٍ لا حول لها ولا قوة …
قانا وأحرفها الناطقة قافاً و نون قَسَماً إلهياً …
قانا جامعة الأديان وأجران العرس الذي لا يهدأ على مدى الدهر ، هي صدى صوت المئذنة يقرع في أجراس كنائسها ، قانا المقاوِمة التي لا تأبه أصوات الصواريخ، هي الشريفة التي سعى إليها الأبرياء من قانا وجارتها من القرى ( رشكناناي، صديقين ، جبال البطم، القليلة ) فأصبحوا ضحايا العيد وصارت أجسادهم المتمزقة شموعاً أضاءت طريق النصر بالرغم من ذبول شعاعها .

قانا كلمة السر التي قالها النبيه وعنوان الشهادة، قانا المسبية مرتين رغم إعلانها للسلام ووجود قوات السلام ، قانا المتألمة مع ونّة كل طفلٍ فقد والديه قانا المعذّبة مع حسرة كل جريح فقد أطرافه وحواسه…
وكي لا ننسى قانا الشاهدة والشهيدة، المحفورة في عقل كل لبناني غيور ، والمجبولة مع دماء كل وطني وفي، كي لا ننسى أصواتاً لا تفارق الآذان ، تستقر في مغارة العذراء داخل قانا ، ومشاهدَ لا تُمحى من الذاكرة كي لا ننسى قانا وأضرحة الشهداء المرتاحة أرواحها في جنان الله ..
كي لا ننسى قانا وعناقيد الغضب المتدلية عواصف بدل أن يتدلى منها عناقيد عنب الجنوب ، واجبٌ علينا أنا نحييها كل عام أمل وحب وتذكار .
إعتاد الجنوبيون في كل عام أن يقصدوا هذا المكان المتكلم صلاة ودعاء وطهارة، في يوم المجزرة الكبرى في تاريخ عالمنا العربي كما إعتاد كل لبنان وحتى وفود من أمتنا العربية، ليقرأون الفاتحة ويذكرون بصلاتهم أرواح الشهداء ، ويتجولون بحسرة بين صفوف الأضرحة الشاهدة على غطرسة العدو ، اعتاد الجنوبيون أن يحيوا هذه الذكرى في كل عام بوجع وحزن، لكنّ عقرب استمرار الحياة توقف لا لقاءات وتواصل ولا اجتماعات ، وكان مُرٌّ على قلوبنا أن تكون قانا الشهيدة خالية من الشاهدين على مظلوميتها في هذا العام، ظالم القدر الذي جعل قانا يتيمة من زائريها و قاصديها في هذي الأيام الأليمة دائما مهما طوى الزمن من سنين العمر، لكنها قانا التي سوف تبقى كلمة السر حيث أسقطت المحتل الظالم .
ستبقى قانا الشوكة التي ما استطاع ابتلاعها الموت ، وستبقى قانا العروس التي زُفّت بالدماء وسيُخَلّد التاريخ هذه البقعة التي تزيّنت بأضرحة النصر وستبقى قانا الفريدة التي جمعت الأديان والدماء والقلوب والعقول، وسيدوم تلاحم الكنيسة والمسجد ولم تنهزم فهي قانا التي قُتِلَت مرتين وقامت من جلجلة آلامها مع قيامة الوطن النهائي لجميع أبنائه كما رسمه موسى الصدر .

١٨/نيسان/٢٠٢٠
زمن الكورونا

بقلم المسؤول الثقافي لإقليم جبل عامل في حركة أمل الشيخ ربيع قبيسي.

زر الذهاب إلى الأعلى