أخبار فلسطين

كارثة تحطم طائرة الرئيس أبو عمار

[٩:٣٤ م، ٢٠٢٠/٤/٩] عبد فقيه: في مثل هذا اليوم من عام 1992 كانت الحادثة ، إنها التضحية الفريدة ، نعم إنها فريدة فقد قدم شهداء الفداء الطيارين العقيد الطيار غسان ياسين ومساعده العقيد الطيار محمد زكي درويش والمهندس الروماني جورجي تيودور حياتهم فداء للقائد والوطن بروح التفاني والسمو والرفعة التي يتميز به أبطال ومناضلي شعبنا العظيم. وهذه معجزة قد لا تتكرر وقلما نجد مثيلها في كتب التاريخ .
إن هؤلاء الشباب يستحقون وسام الشجاعة و الكفاءة والوطنية على اعتبار أنهم عملوا ما كان يجب أن يُعمل دون تردد أو خوف و بمهارة عالية، و لولا هذه الشجاعة التي تحلّوا بها لكان الموت محقق للجميع .

في ليلة الثامن من نيسان 1992 أقلعت طائرة ( التوبوليف ) في طريقها إلى تونس عبر الصحراء الليبية، ورحلتها المقررة من الخرطوم إلى تونس تستوجب الهبوط في مطار الكفرة الليبية للتزود بالوقود .فوق الصحراء اشتدت عاصفة رملية (لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ خمسين عاما ) وساءت الأحوال الجوية وانعدمت الرؤية تماما وتعطلت أجهزة الاتصال فحاول الكابتن غسان تغيير المسار إلى مطار السارة حيث تتمركز القوات الفلسطينية هناك ، إلا أن العاصفة الرملية كانت قد امتدت إلى مطار السارة وشارف الوقود على النفاذ، والطائرة ذات محركات مروحية وهذا أملى على قائدها الهبوط بطريقة تجعل مقدمتها ترتطم بالرمل وحرص على توجيهها يدوياً لتتم العملية بنجاح .
وتناقلت وكالات الأنباء العالميةالكبرى خبرا مفاده طائرة عرفات اختفت وسط الصحراء الليبية وكانت الساعة التاسعة مساء ، حيث فقد برج المراقبة في مطار الكفرة الاتصال مع الطائرة ،وكان الكابتن غسان يعرف الطريق الى مطار السارة في الصحراء الليبيه عن ظهر قلب لأنه كان يقوم بتوصيل التموين للقوات الفلسطينية التي كانت موجودة في معسكر السارة أسبوعيا و يعرف تماما ما هي طبيعة الأرض تحته ،ولكن وبسبب شدة العاصفه الرمليه وسوء الأحوال الجوية لم يتمكن الطيار من رؤية المدرج والمطار
واتخذ طاقم الطائره في غرفة القياده قرارا وطنيا شجاعا يدل على الكفاءة العاليه والتضحية فداءا لرمز القضية و الوطن فقام الكابتن بإبلاغ القائد أبو عمار بأنهم مضطرون للهبوط اضطراريا
( لأن استمرار الطيران كان يعني سقوط الطائرة ووفاة الجميع)
و أن عليه العودة لمؤخرة الطائرة فورا و الجلوس في المقعد الخلفي و شد الحزام، وطلب ممن كانو برفقة الرئيس أن يجمعوا كافة البطانيات و المخدات الموجودة في الطائرة ولفها حول الرئيس. وأن يلتف الجميع حوله في مؤخرة الطائره. فقد خطط للهبوط بمقدمة الطائره في كثبان رملية لتبقى مؤخرة الطائره في أمان مما يعني أن الصدمة القاتلة ستتلقاها المقدمة .
…أي مهارة وأي شجاعة وأي فداء هذه الصفات التي تحلى بها هؤلاء الأبطال ! و فعلا هبط الكابتن غسان ياسين بالطائره والرؤية صفر اصطدمت الطائرة بتلة رملية فانشطرت قسمين، القسم الأمامي أطبق بفعل الاصطدام على الكابتن ومساعده والمهندس الروماني( الذي أبى أن يغادر غرفة القيادة ) حيث استشهدوا على الفور، والقسم الخلفي حيث أبو عمار والحرس والسكرتارية طارت المقاعد من أماكنها، وأصيب الجميع بصدمة هائلة، وبعضهم أصيب بكسور في الحوض والأرجل. أما أبو عمار فبدا أنه لم يصب بجروح أو كسور. وتمالك نفسه بسرعة وتفقد حرسه وبقية مرافقيه.
ولحسن الحظ أن فتحي البحرية رئيس حرسه، لم يصب بأي خدش، بل نهض وفك أحزمة المقعد عن أبو عمار الذي بدا واعيا ومدركا لما حدث. حاول الشباب إنقاذ الطيارين والمهندس الروماني، ولكن غرفة القيادة ، حيث يجلسون، كان قد أطبقت عليهم وأصابتهم إصابات قاتلة أدت إلى وفاتهم على الفور.
ويقول فتحي: بعد إسعاف المصابين، قمنا بإشعال النار على أمل أن يرانا الناس وإن كانت الرؤية مستحيلة. والغريب أن عواء الذئاب أخذ يقترب منا، ولهذا بدأنا نخرج ملابسنا ونشعل فيها النار، لأن الذئاب لا تقترب من النار. ومنعنا أبو عمار من إطلاق النار لقتل الذئاب لأنها تزداد شراسة، والذئاب تكون دائما على شكل قطيع. ولسنا بحاجة إلى معركة مع الذئاب. وقضينا الليل بطوله، يقول فتحي ونحن نشعل النار ونطعمها ملابسنا وحقائبنا وكانت رائحة البلاستيك المحترق خانقة فعلا.
قضينا خمسة عشر ساعة وحتى العاشرة من صباح اليوم التالي 8 نيسان 1992 ونحن على هذه الحال، مع قليل من الماء وجدناه في مؤخرة الطائرة. وكانت قواتنا في السارة بقيادة العقيد خالد سلطان الذي أمر بانتشار القوة في محيط مطار السارة حيث أبلغه برج المراقبة في مطار الكفرة أن كابتن الطائرة المنكوبة أبلغه أنه سيحاول الهبوط في مطار السارة. ثم انقطع الاتصال معه. وفي ساعات الصباح الأولى كانت طائرات فرنسية ومصرية وليبية تبحث عن الطائرة. أما الذي عثر على الطائرة المحطمة وأبو عمار وسط هذه الصحراء والرمال المتحركة فكان دورية فلسطينية من قوات السارة بقيادة العقيد خالد سلطان، حيث استعانت الدوريات الفلسطينية بأبناء الصحراء الليبية الذين لديهم خبرة طويلة في حياة الصحراء وعواصفها واتجاهات الرياح.
وبعد خمس ساعات من البحث في الصحراء تم العثور على الطائرة. وكانت المعجزة التي يستحيل تصديقها أن أبو عمار على قيد الحياة – يقول العقيد خالد سلطان- وخلال ساعة من الزمن وبعد العاشرة بقليل، أرسل خالد سلطان على جهاز اللاسلكي البرقية التالية: “أبو عمار بخير” وفي مطار السارة، وكانت العاصفة الرملية قد هدأت، شكر أبو عمار الطيارين المصريين والليبيين والفرنسيين، ونقلته طائرة ليبية مع حرسه المصاب بالكسور والرضوض إلى طرابلس والى المستشفى مباشرة لإجراء الفحوصات لمعرفة إن كان قد أصيب بكسور أو رضوض، وقدم الأطباء الإسعافات وأجروا العمليات للكسور التي أصابت المرافقين.

  • كان الكابتن غسان ياسين مولعا بحب فلسطين وكان يردد دائما ”
    أُحَلِّقُ فوق كل الدنيا … متى سأُحَلِّقُ فوق بلدي فوق أهلي فوق صانور”؟ ( صانور مسقط رأسه قصاء نابلس )
  • بعد الحادثه مباشرة عندما كانوا يبحثون عن صور للشهداء، تذكر الرئيس أبو عمار أنهم تصوروا معه قبيل الإقلاع و قال :
    (آخر صوره لهم تجدوها في الكاميرا و فعلا طبعوا الصورة وكتب عليها أبوعمار بخط يده ما هو مكتوب عليها و سمّى هذه الحادثه (مشروع شهاده ) .
    كانت جنازة الشهيدين الكابتن العميد غسان ياسين و الكابتن العميد محمد درويش من كبرى الجنازات فقد خرجت كل عمان مع عدد كبير من القيادات الفلسطينية والأردنية .

رحمهم الله واسكنهم الفردوس الأعلى ،

إنها قصة في الوفاء والشجاعة وحب الوطن والمهنية العالية والقدرة على اتخاذ قرار خطير خلال لحظات عصيبة جدا .

زر الذهاب إلى الأعلى