بأقلامنا

شهر حزيران…أربعون سنة على عمر حزب الله خارج الترهل بقلم // جهاد أيوب

حينما نصل إلى شهر حزيران من هذا العام، يكون حزب المقاومة، ومقاومة رجال الله، أي حزب الله قد أنهى 40 سنة من عمره، وبدأ تجاوز هذا العمر !
المفروض أن يترهل، وأن يصاب بالشيخوخة، وبعدم تجديد دمائه الحية، وبغياب الشباب عنه كما حال جميع الأحزاب اللبنانية، قديمة الظهور والحديث منها، فالواقع اللبناني مقبرة لكل فكر نهضوي أو حتى عنصري وطائفي، هذه حقيقة الأحزاب اللبنانية، وهذه صفعات الوجود اللبناني المتحرك، والباحث عن رمال لا تعرف الهدوء، والمنتظر لأوامر السفارات، وبالأخص لبنان الطائفية لا الدين، ورجال طوائف لا رجال دين، وشعارات علمانية وإذ بها عنصرية لاغية للجميع…هذا لبنان، وهذا الواقع في لبنان!
علينا أن نعترف أن حزب الله مر بمراحل عديدة وصعبة لم يمر بها أي حزب، مراحل حساسة من بداياته في وجوده الأول، رُفض، وتم التعامل معه كنكرة، ومع مرور الزمن، والمصداقية في القول والفعل التي اكتسبها بجهوده، وتغيير الأمناء، واستشهاد السيد عباس الموسوي، بدأ حضور حزب الله فاعلاً، وقد يكون لشخصية أمينة العام الحالي السيد حسن نصرالله تأثيراً كبيراً في ترسيخ الحضور المعادلة، ولن ندخل في شرح الانطلاقة، ولا الصعاب، ولا حتى ما حققه على أكثر من صعيد مقاومة، وسياسية، واجتماعية، وثقافية وإعلامية، فذلك يتطلب دراسة معمقة وطويلة، وليس مكانها هنا الآن، بل نرغب في المشاركة بتوضيح بعض الآمال والتطلعات!
بعد مرور هذا العمر علينا الاعتراف كمراقبين أن دماء حزب الله في حالة تجدد دائمة، وهو اليوم أكبر حزب فاعل عدداً وعداداً في الوطن العربي، ولكن رغم هذه الاستمرارية الصعبة، وتكالب المتأمرين، والمنافقين من حوله، وكذلك ملاحظات المنظرين منهم الحاقد ومنهم المحب، والناس مهما تغنت ووالت هي مع المنتصر والقوي، والمنتصر عليه أن يستوعب محيطة – بيئته – وطنه، والقوي أن يتواضع كي يبقى فاعلاً لا مرحلة مرت والسلام كما حال منظمة فتح التي كانت جبهة مقاومة فلسطينية، والقوة الفلسطينية الأهم والأقوى التي انتهت مع الدولار وفي غرف الفنادق الخمسة نجوم، ناهيك عن تصفيتها لقادتها وعناصرها، وحالها اليوم يدمي، لا تستطيع أن تكون دولة، ولا مقاومة، بل أشبه بعصابة داخل دولة التمني!
المطلوب من حزب المقاومة، ومقاومة رجال الله بعد هذا العمر المديد، وبعد أن حقق انتصارات عجزت عنها جيوش العرب، وأصبح اقليمياً، المطلوب جلسات كشف حساب داخلية، ووضع نقاط البحث الحوار على السلبيات قبل الإيجابيات وبالتحديد تنظيمياً، والاستماع أكثر كما لو كان جلداً للذات بمحبة من أجل تطوير الاستمرارية، وقراءة صريحة، ومتأنية وموضوعية لخطابه، وبالتحديد خطابه الداخلي، بمعنى اوضح صياغة الخطاب من جديد ليواكب المرحلة، والعمل على تطوير نظامه لا الوقوف عنده دون الإلمام بالمتغيرات والأحداث من حوله… وبالتأكيد يوجد في كوادره وقادته من هم أهل لذلك!
لقد عزز حزب الله دوره في مجتمعه وبيئته، وحفر ثقة مهمة، وهذا يتطلب اليوم تعزيز دوره مع البيئات الثانية، وأن لا تكون موسمية كما حال ” توزيع المازوت، والطبابة”!
نعم حركة حزب الله التفاعلية في التعامل مع الحالات الاجتماعية شبيهة بالنظرة العلمانية فعلياً، والسبب أخلاقية الممارسة عند غالبية عناصره، وبالطبع لا نعمم، لذلك لا بد من الوقوف مطولاً، ودعم استمرارية هذا التفاعل، وتطويره!
وإعادة النظر في برامجه وخططه وسياسته الداخلية، أعني الخوض الموضوعي بتفاصيلها، ونسف الكثير مما كان، والأخذ بالإيجابيات ليس كقاعدة ثابتة، بل كفكرة متحركة إلى استغلالها للأفضل، لآن النجاح المستقبلي ينبثق من الداخل، خاصة في هذه المرحلة الحساسة في ظل الحرب الأميركية على لبنان!
إن فهم تركيبة لبنان قوة، وفهم تاريخ لبنان يبعد الحرب الأهلية، وتاريخ لبنان معقد لكونه اعتمد على الكذبة، والحزب صنع تاريخاً واضحاً ومكشوفاً وذات الأهداف التي يبنى عليها الوطن، أقصد انتصاراته العسكرية ضد “إسرائيل”، والدواعش، وحكمته في ابعاد شبح الحرب الأهلية داخل مزارع لبنان !
السياسة الداخلية في تحديد الأولويات من أساسيات القراءة الجديدة للحزب، وهذا يتطلب وبصدق، وخارج المجاملات قراءة واقعية للشخصيات المنتسبة وللصديقة وبالتحديد الحليف، والحليف في كثير من المراحل يعيق الاستمرارية في بناء دولة، وفي إنجاح أي مشروع، والأهم في تغيير هذا النظام اللبناني العفن حيث يولد الحروب والأزمات، وهذه النقطة الأخيرة وجب الأخذ بها على محمل الجد لا القول من باب “اني بلغت”!
إن حمل لواء تغيير هذا النظام يجب أن يكون من أولويات خطط الحزب المقبلة، وسياسة ثابتة يدعمها بثقله وبمصداقيته، لا أن يتم إلغاء تفاعلها من أجل إرضاء هذا الحليف أو ذاك…”ولا حليف دائم في بلد كلبنان”!
غربلة الحلفاء يزيد ثقة الجمهور بدور الحزب، وأعتقد أن قيادة الحزب تدرك أن من هو ضدهم في الداخل اللبناني يؤمن بمصداقيتهم، لا بل كثير من التظاهرات طالبت الحزب بمحاسبة الفاسدين!
وأيضاً، وبعفوية الشارع رغم انقسامه يُطلب من الحزب أن يحسم، ويخلصهم من جحيم زعامات قاتلة وفاسدة!
الحليف ليس قاعدة فاعلة، أو هو داعم يعتمد عليه كما علمتنا التجارب، لذلك وضع حالته في ميزان القرار يخدم مصداقية الحزب أكثر، وها نحن نجد حليف الأمس يتغنى بعدو كل الأيام، ويفاخر بعلاقاته مع عدو المقاومة!
الاستغناء عن حليف يخسرنا المال والجهد والحضور أفضل من حليف كان معنا، بالأصل حضوره حالة طارئة هنا أو هناك!
فتح قنوات مع الجماعات العلمانية، رغم أن الحالة العلمانية في لبنان يشوبها الكثير في مصداقيتها وفكرها الإنساني، وهي تعيش التنظير والحقد، ومع ذلك الانفتاح ضرورة!
الانفتاح أكثر على المعارضين خارج عملاء “إسرائيل”، وفتح حوارات دائمة حتى لو كان هذا المعارض تابع للسفارات، ويعتقد أنكم لا تعلمون ذلك، ولكن سفارته تشجع على جلوسه معكم!
قراءة علمية متخصصة للواقع الاقتصادي خارج التنظير والمكاسب الآنية الضيقة، ومن ثم الاهمال بحجة هذا مطلوب من الدولة “الدولة في لبنان لا دولة”، وهذا يتطلب تلبية الحاجات الاقتصادية والإجتماعية، ووضع خطط اقتصادية على المدى البعيد.
تعزيز الدور التربوي، والانفتاح في مدارس تابعة للحزب كما وضع مدارس الانجيليات، وعودة المنح الطلابية الجامعية، فهذه مهمة جداً، أي تحريك وتدعيم الدائرة الطلابية في حزب الله أكثر مما هي عليه!
الأخذ بأهمية دور الإعلام، وتحديداً المرئي، فما يقدم ليس قوة مواجهة لإعلام أعداء الخارج، وخيانة أبناء الوطن، وليس عيباً إذا اعترفنا بأن إعلام حزب الله يعيش شيخوخة، ولا حرية فيه، ولا تطور يلحظ!
نعم لا شباب بمعنى الحيوية وليس العمر، بل حالات هرمة شكلاً ومضموناً وفكراً!
نعم لا حرية في إعلام الحزب، الحرية بالمطلق خيانة للإنسان، وضعفاً لإنتمائه الفكري والوجودي، لا وجود حرية بالمطلق، فالحرية قيد ومسؤولية، لآن الحرية إبنة الأخلاق…من هنا لا ضرر من الحرية في إعلام الحزب ما دمنا نثق بمن يعمل فيه، وما دمنا نؤمن بالضوابط الأخلاقية، والاخلاق تشهد لمؤسساتكم رغم ما لدينا من انتقادات محقة!
والتطور…للأسف لا نلمسه، ولا يعرفونه، فما يقدم من برامج نشعر بأنها في زمن الأبيض والأسود، أي بدايات العمل الإعلامي المرئي، ومرحلة صف الابتدائي!
هذا لا يلغي نجاحات بعض المؤسسات الإعلامية في الحزب، خاصة الإذاعية منها، لكن المعركة هي صورة قبل الصوت، وصوت يواكب الصورة بمسؤولية، وشكل يدخل كل بيت لا بد أن يكون بمستوى التطلعات!
عدم الحرية، وغياب الثقة، والشللية، وتصفية الحسابات حتى لو كان هذا الذي نحاربه منا جريمة، وللأسف موجود في بعض إعلام الحزب!
فكرة تغييب عمداً للمسؤولين من نواب ووزراء وما شابه من عناصر الحزب عن السجالات الفارغة في البرامج المدفوعة سلفاً، والمسيرة من السفارات في الإعلام اللبناني صائبة، وتعتبر قيمة إضافية لبقاء المصداقية، ومع ذلك لا بد من إكثار الظهور في وسائل إعلام الحزب من أجل تقديم الفعاليات والأنشطة الخداماتية، والوقوف إلى جانب الناس وجمهور المقاومة في البعد السياسي والقراءة لكل حدث!
هذا يجب اكثاره في الظهور مع تنويع الضيوف لا تكرارها…وللحديث بقية، وزوايا عديدة!
الإهتمام بدور الفن والثقافة كنظرة تحررية داعمة لدور المقاومة، خاصة المهرجانات، وإطلاق مهرجانات ومسابقات سنوية، والتركيز على الأعمال الدرامية التي تسوق رسائل مخيفة من قبل عدونا، وهذا جانب مقاوم خطير لا بد من التنبه لأهميته…ولا بد من محاسبة بعد كل عمل!
تفعيل تنظيمي لا شوائب فيه من قبل المؤسسات الاجتماعية، والعمل على جهاز إداري تفتيشي باستمرار.
التنظيم الإداري في المؤسسات الخدماتية والصحية هو ناجح نوعاً ما، ولكن التفرغ لمعرفة ما هي المعيقات، وكيف نطوره، وكيف يصبح حالة مؤسساتية لا حالة فردية غاية لا بد منها.
تحسين القدرات على توفير ما يحتاج الشعب على المدى الطويل، غالبية ما عمل جاء على مدى اللحظة الحاجة المرحلة، لا بد من تنشيط هذا الدور، وأبعاده عن المجال الآني، ويصبح هذا العمل استمراري، ولبعض التجارب الناجحة شواهد، صحيح اختلفت المهام، لكن الثقة التي منحت للحزب تتطلب مقاومة مختلفة عن مقاومة السلاح!
ليس خطأ إنشاء معامل ومصانع وشركات مدنية تابعة توفر فرص العمل لهذا الكم الهائل من الشباب العاطل عن العمل، لا بل تفتح الآفاق لوظائف جديدة، خاصة أن المقاومة اليوم هي قوة رادعة، ولم تعد المفعول به، بقدر ما هي فاعل وصمام أمان وضمانة للوجود على أرض الوطن، وضمانة للاقتصاد والسياسة، والاستقرار للحياة الاجتماعية!

زر الذهاب إلى الأعلى