بأقلامنا

صفقة قرن ام تسويق للوهم ؟؟؟ بقلم احمد مراد

علمتنا تجارب التاريخ على امتداد السيرة البشرية , ان الحق لا يوهب , ولا يستجدى . انما يتم انتزاعه من براثن المحتل بالقوة , هي دروس وعبر تناقلتها الاجيال على مدى التاريخ , وهكذا حال شعوب امتنا , وفي طليعتها الشعب الفلسطيني , الذي عانى ولا يزال من القهر , والظلم , اغتصبت ارضه , ودنست مقدساته , وانتهكت كرامته , بفعل القوى الاستعمارية الغربية , وتواطؤ بعض الحكام العرب ادوات المشاريع الاستعمارية .

فعلى امتداد اكثر من قرن , يواصل الشعب الفلسطيني , صموده وكفاحه الوطني في التصدي لكل الاطماع الهادفة ليس فقط لاستمرار الاحتلال الصهيوني لارضه ودياره , بل دفاعا ايضاً عن حاضر ومستقبل الامة فإمتشق السلاح, وقدم التضحيات , ولم يتوانى ابداً عن تقديم الغالي والنفيس لتحقيق اهدافه وتطلعاته الوطنية , من اجل تحرير فلسطين , وبناء دولته المستقلة الكاملة السيادة على كل ذرة تراب من الارض المحتلة .

فالمؤامرة لم تتوقف يوماً على القضية الفلسطينية , ولم تتوقف ايضا محاولات الاحتواء والتدجين والالغاء , مرة بإستخدام اسلوب الترهيب والتهديد , واخرى بتسويق الاوهام بإمكانية تحقيق تسوية مع المحتلين . وقبل ايام اطل علينا على شاشات التلفزة العالمية, ثنائي الارهاب العالمي ترامب – نتنياهو, في مشهد احتفالي لاعلان ما اطلقوا عليه ” صفقة القرن ” في محاولة لتسويق الوهم .

وعلى الفور عادت بنا الذاكرة الى سنوات طويلة مضت , ومشاهد احتفالية خادعة . فمن منا نسي اتفاقية كامب ديفيد مع مصر , ومؤتمر مدريد , واتفاقي اوسلو ووادي عربة وغيرها من الصفقات والاتفاقات السرية والعلنية , كل تلك الاتفاقيات لم تجلب لشعبنا سوى المزيد من الكوارث, وعلى كافة الصعد السياسية والاقتصادية , والاجتماعية فإنهكت الامة , وعملت في جسدها تمزيقاً , وضاعفت معاناتها . وهذا لا يمكن لاي عاقل تجاهله او انكاره, وها هم من جديد يحاول الاعداء وادواتهم اعادة تسويق الوهم من جديد, من خلال ما يسمى ” صفقة القرن ” و في حلقة جديدة من حلقات المؤامرة المتواصلة ضد شعبنا وامتنا وقضاياهم الوطنية المصيرية .

ولا يخفى على اي مراقب , لكل تلك الحلقات من الدراما الفلسطينية , الا ان يتوصل الى قناعة راسخة مبنية على الوقائع والحقائق والدروس . ان ما وصلت اليه الحالة الفلسطينية خصوصاً , والعربية على وجه العموم . لم يكن مفاجئاً بل هو حصاد سياسات قصيرة النظر هذا اذا احسن الظن . وهذا ما يستوجب على اصحاب تلك السياسات مراجعة سياساتهم , بروح من المسؤولية الوطنية , بما ينسجم مع طموحات وتطلعات الشعب الفلسطيني .

وعليه فإن الخروج من المأزق الذي وصلنا اليه , يتطلب اولاً اعادة النظر بكل مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني , واجراء مراجعة سياسية شاملة , وصياغة برنامج كفاحي تحرري , وتعزيز الوحدة على قواعد واضحة وثابتة تتمثل اولاً بالقطع النهائي مع كل مسارات ما تسمى بالتسوية , والتي هي في حقيقتها ليست سوى اقرار بالهزيمة والاستسلام , وان تقر الضحية بحق الجلاد .

ان اعلان صفقة القرن لم يكن مفاجئاً ابداً , وان الموقف الفلسطيني الموحد برفض هذه الصفقة امر جيد بلا شك , ولكن اعلان الرفض وحده لا يكفي , بل ينبغي ترجمة الموقف الرافض الى افعال تتمثل اولاً بالتحلل من كل الاتفاقات , والاعلان الصريح عن سقوط اوسلو , وعدم العودة اليه او الى اية مسارات تفاوضية  اخرى , واطلاق طاقات الشعب الفلسطيني في مواجهة شاملة مع الاحتلال , والاقلاع عن المراهنة على تلك الانظمة المتواطئة, والاستناد الى صمود الشعب الفلسطيني , وشعوب امتنا العربية , وعمقنا الاسلامي , وقوى الحرية والتقدم في العالم , وكذلك العمل على بناء جبهة مقاومة عربية تقدمية , بإعتبار ان المشروع الاستعماري – الصهيوني انما يستهدف كل شعوب منطقتنا , وهذا يتضح جلياً من بعض ما ورد في بنود” صفقة القرن ” .

يدرك العديد من المراقبين , ان الكثير من مسارات الصفقة بدأت منذ زمن بعيد , منذ الاعلان عن القدس عاصمة لدولة الكيان , وضم الجولان العربي السوري , وتسارع مسارات التطبيع العربي , و المحاولات المحمومة لالغاء الانروا , وحق دولة الكيان بضم المستوطنات واسقاط حق العودة , ومحاولات فرض توطين اللاجئين الفلسطينيين في اماكن تواجدهم.

واننا امام التحديات المصيرية , وفي اطار العلاقة الفلسطينية اللبنانية وفي الوقت الذي يؤكد فيه الشعب الفلسطيني رفضه لكل مؤامرات التوطين والتهجير , وعلى سيادة لبنان وامنه واستقراره , فإن المطلوب اليوم وبإلحاح الدعوة الفورية الى حوار فلسطيني – لبناني ووضع استراتيجية مشتركة لمواجهة التحديات الراهنة , بما يكفل حماية لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته , سيداً حراً عربياً , ويضمن للشعب الفلسطيني حياة كريمة وتعزيز صموده ودعم كفاحه الوطني لحين العودة الى ارضه ودياره.

ولكل ما تقدم بات لزاماً على كل القوى التي اعلنت رفضها لصفقة القرن ان تحدد بالضبط الاسس التي بنت عليها رفضها , وعلى بعض من يرفض الصفقة ان يقرن القول بالفعل , وان لا يسعى الى اعادة تسويق الوهم من جديد بإمكانية التعايش مع هذا المحتل , وان لا يبقى يجتر الاوهام وان يقر بحقيقة الصراع بانه صراع وجود وليس صراع حدود , هذه هي الحقيقة الساطعة , ولم يعد هناك متسع للاحلام والاوهام .

افتتاحية عدد رقم 51\2020 مجلة هلا صور لشهرية لشهر اذاربعنوان  صفقة قرن ام تسويق للوهم ؟؟؟ بقلم احمد مراد

عضو اللجنة المركزيه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

زر الذهاب إلى الأعلى