بأقلامنا

توزيع المسؤوليات في نشأة الكيان اللبناني ومآل أزماته بقلم الكاتب و الإعلامي نهاد حشيشو

لبنان الحديث مأزوم منذ التأسيس و هو راهناً ، يعيش هبة شعبية مضطربة ، كثر طباخي حراكها وتنوعوا من حيث المقاصد و الأغراض و الإنتماء ، وهي تعاني أزمة برنامج و صدقية قيادة خارج الأطر الإنتهازية الوصولية .. لكن الوجع كبير والأزمة قديمة أساسها بؤس التكوين و التطوير .

الاستعمار القديم ، البريطاني كما الفرنسي ، مسؤول و لا شك عن هذا المآل . والولايات المتحدة الامريكية ” رأس الإمبرياليات ” طابخة السم في الدسم أشدهم مسؤولية في زمننا الراهن عن حالة الفساد و الحماية و الدور اقتصادياً و سياسياً ، في كنفها تكرست مباذل وأضرار  طبقة طفيلية ” سمسارة ” ،  تحت عنوان الاقتصاد الحر وبإسمه .

في أساس التكوين والتشكل للبنان ، رعى الانتداب الفرنسي عام 1926\ فرز لجنة نيابية قامت بإعداد الدستور،  و استلهمت بشكل مباشر  دستور الجمهورية  الثالثة الفرنسية المنبثق من بعض مبادئ الثورة الفرنسية ، لكنها عملت قبل ذلك بدوافع استعمارية على إرساء مؤامرة وزيري الاستعمار سايكس الانكليزي و بيكو الفرنسي لتقسيم المنطقة وفقاً للمصالح الخاصة بدولتيهما .

 صحيح أن هذا الدستور كان كفل مساواة اللبنانيين أمام القانون في الحقوق المدنية و السياسية و الحريات الشخصية كما الإعتقاد ، لكنه تغاضى عند التطبيق عن بعض القيود فثبت الطائفية بدلاً من الدولة المدنية و خضع لمعارضة المجموعات الدينية في تكريس المادتين 9 و 10 و المادة 95 وهذه الأخيرة نصت على التمثيل العادل للطوائف في الوزارة و الإدارة العامة . والقليلين يعرفون أن هذه المادة جاءت بناء لطلب ممثلي المسلمين في الأطراف .

لقد صارت المادة 95 نوعاً من صيغة سياسية أعلى من الدستور نفسه ، وصارت تعرف فيما بعد ب ” الصيغة الميثاقية ” . معها تقاسمت ماسميت ، لاحقاً ، الطبقة السياسية مسيحية واسلامية السلطات و النفوذ .

مع انفجار الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 بتشجيع ودعم من بعض  القوى العربية و الدولية دمرت هذه الصيغة ما أدى إلى تعديل التوازنات الطائفية القائمة جسدها إتفاق الطائف خريف عام 1989 . هذا الاتفاق لم يطبق كاملاً  ، و هو الذي وعد بإيجاد مؤسسات تؤدي إلى تجاوز الحالة الطائفية ، ولم تشكل الهيئة الوطنية المكلفة بذلك ، كما جرى تشويه مسألة صياغة قانون إنتخابي يراعي التمثيل الحقيقي للبنانيين خارج نفوذ الطبقة السياسية الطائفية .

بعدها دخلنا في مسألتي تشكيل الحكومات و معركة انتخاب رئيس الجمهورية من ضمن صيغة ديموقراطية توافقية ، كانت عملياً ودستورياً ، هرطقة لتكريس نفوذ الطوائف و ضرب اسس ما تمناه الجميع : دولة مدنية .

كانت انتخابات رئاسة الجمهورية دائماً محطة مهمة في إعادة تكوين السلطة ، و في كل انتخابات تظهر مشكلات النظام السياسي اللبناني ، ولا سيما بعده الطائفي .

اما الصيغة الجديدة التي كرسها الطائف فقدت بعدها الإصلاحي ، و اصبح على سبيل المثال ، إنشاء المجلس الدستوري بإعتباره مؤسسة وطنية مهمة تنقل البلاد فعلاً إلى دولة القانون و مرجعيته الحاسمة و من ثم تعطيله، أكبر ضحية من ضحايا الأزمة الوطنية الراهنة .

إفتتاحية العدد رقم  50 \ لشهر كانون الثاني \ 2020 \ لمجلة هلا صور بقلم مستشار عيئة التحرير الاعلامي و الكاتب نهاد حشيشو

زر الذهاب إلى الأعلى