شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
بأقلامنا

شكر واعتذار من «فقراء الثورة» إلى أصحاب «الحراك»: بقلم د. محمّد حمّود

ذرًا لم نستطع البارحة أن نحتفل معكم بعد انتصاركم الأوّل! كنّا منشغلين في لملمة ما تبقّى من أوجاعنا التي صدّقناها في الأيام الأولى من «الثورة»، وقتها سمعنا صوتًا يُنادي جوعنا، يُحبّنا، يصرخ من أجلنا، كنّا البحر الجارف، وكنتم السواقي، تنظرون إلينا بشغف مهيب وحنان غريب! شكرًا لكم جميعًا، شكرًا من «بائع العلكة» الذي غفا في السّاحة وفي عينيه أمل يٌرتجى بأنّه في الغد سينام والشّبع يملأ قلبه، لكنّه استيقظ على كابوس مُخيف حين أدرك أنّ علكته الرخيصة لم يشتر منها أحد، شكرًا من «عامل كادح» دخل كريمًا إلى خِيَمِكم، وخرج منها منسيّا، وقد مررتم مرارًا بجانبه ورائحة العطر الباريسية التي تفوح منكم، كانت تنفر من آخر قطرة عرق نزفت منه بعد عناء يوم ممطر… شكرًا لكم من تلك «العجوز» التي دفعت كلّ ما تملك إلى سائق سيارة الأجرة من أجل أن تتابع الطريق معكم، وحينما وصلت بعد جهد جهيد، لم ترَ في السّاحة منكم أحدا، و «المسنّ» الذي صعدتم على أكتاف وجعه كان صوته خافتًا لم يسمعه أحد ولم يكترث إليه أحد، فجلّكم مشغول بنشوة مؤقتة ومطالب خارج دائرة لقمة الخبز، والدواء، والكرامة الشخصيّة، حتّى المشاهد التمثيليّة حول الفقراء أذابها جشع المصالح الآنيّة. لم نعد نسمع صراخ «عاطل» عن العمل، ولا صوت بكاء «طالب جامعيّ فقير » لا يقدر على شراء الكراريس والكتب، لم نرَ «رغيف الخبز» مرفوعًا فوق الأكتاف، ولا صورة «المرأة» التي بكَت الظلم والهجرة وأبواب المشافي المغلقة، فقد طوتها الحناجر التي أتقنت الغناء، وبعدها الرقص على أجساد الفقراء الذين ملأوا الساحات وأفاضوها قيمة ووهجا ورفعة،،،عذرًا من «ثورة الجياع » إليكم! فبعد أن اكتملت لوحة الوطن، انقضّ الحالمون ليقطفوا ما جناه حضور الموجوعين والمقهورين والمنسيين الذين عادوا إلى أكواخهم المهترئة، وعرباتهم غير القانونيّة، ودكاكينهم التي لا تحوي أكثر من وليمة عشاء خيمة صغيرة من باحات الطرق المقطوعة، عادوا لأنّ «صوت الرضيع الجائع» و«الطفل» الذي يلملم ما تبقّى من موائدهم بين أكوام القُمامة، لا يؤلم ضمائر البطون المُتخمة، عاد «الثائر» حافيًا يمشي بين الأزقة الضّيقة، كي لا تقيّده مواقف السيّارات الفخمة، وأساطيل السيارات المستأجرة الملوّنة، وكي لا يألف رائحة الولائم المنقولة على درّاجات المطاعم التي لم يستطع أن يقف حتّى على بابها، فحينما وصل الصوت رموا صورته وتابعوا المسير، عسى أن يقتاتوا من موائد الزعامة بعد أن حصلوا على صورة جَماعيّة هائلة، رفعوها بطاقة عبور مؤقتة، خشية من أن تخبو أعداد السّاحات ويبين فراغها! عذرًا من كلّ «بائع ترمس» خاف على فرْشه من الكساد، وعلى ثروته من الخسارة، فعاد إلى شوارع الفقراء ليشتروا منه، فجلّ النفوس الفاسدة تأنف من يديه المغبّرتين بالتعب،،، عذرًا من صوت كلّ فقير ملأ السّاحات، وحمل رايةً عشقَهًا حتّى الثّمالة، عذرًا منه إليكم، فهو لا يُدرك قيمة ثمن زجاجة« الشمبانيا» التي تسدّ بثمنها جوع أسبوع، لكي يحتفي بنصركم الهزيل، عذرًا لأنّ الفقراء غابوا عن لافتاتكم، وعن قيثاراتكم، وعن طبولكم، وأغانيكم ووطنكم النحيف المُرتجى، فهم مشغولون في البحث عن ثياب شتويّة عتيقة بالية، وأنتم ستنشغلون في البحث عن الماركات العالميّة في «وسط بيروت» لتبرزوا بها أناقتكم المزيّفة على أمل حلُم باهت، ولكن! في كلّ مشاهد انتصارات ثورات الشعوب كان النّصر للفقراء! أمّا انتصاراتكم فلن تصل إلى المفترق الأوّل من مشهد وطن مزيّف ينشده البعض منكم طريق خلاص، ويُدرك أغلبكم بأنّه مساحة رقص للتاريخ فقط! فعذرًا من فقراء الثورة الحقيقيين، إليكم، لأنّهم لم يحتفوا بنصركم الهزيل، «نصركم» الأوّل … والأخير!.

زر الذهاب إلى الأعلى