في ذكرى رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: باقٍ فينا فكرةً لا تموت وشمسٌ لا تغيب. (أ.م)

في ذكرى رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: باقٍ فينا فكرةً لا تموت وشمسٌ لا تغيب. (أ.م)
في مثل هذه الأيام، نقف إجلالاً ووفاءً لذكرى رحيل القائد العربي الكبير، الزعيم جمال عبد الناصر. هذا الرجل الذي لم يكن مجرد رئيس لجمهورية مصر العربية، بل كان عنوان مرحلة، وبوصلة أمة، وصوت الجماهير العربية التي طالما حلمت بالخلاص من الاستعمار والتبعية والذل. عبد الناصر، فينا حيٌّ، لا يموت، لأنه اختار أن يكون مع الناس، مع الفقراء، مع الثوار، مع فلسطين.
لقد كان عبد الناصر تجسيدًا حيًّا للحلم القومي العربي. لم يكن ذلك الحلم شعارًا يُرفع في الميادين، بل مشروعًا كاملاً لبناء أمة واحدة، موحّدة، حرّة، من المحيط إلى الخليج. آمن أن الوحدة العربية ليست ترفًا سياسيًّا، بل ضرورة تاريخية، وخيار حياة أو موت لأمة نُهبت ثرواتها، وقُسمت جغرافيتها، وسُلبت إرادتها.
وفي معركة الفالوجة عام 1948، سطّر الشاب الضابط جمال عبد الناصر، مع رفاقه من جنود الجيش المصري، ملحمة البطولة والشرف في الدفاع عن فلسطين. لم تكن الفالوجة مجرد موقع عسكري، بل كانت شهادة ميلاد لقائد آمن بأن فلسطين ليست فقط قضية شعب، بل قضية أمة، وأن الدم المصري الذي امتزج بالدم الفلسطيني على أرضها هو التعبير الأصدق عن وحدة المصير. ومن هناك، بدأت العلاقة التاريخية التي ربطت عبد الناصر شخصيًا، كما ربطت مصر الثورة، بقضيتنا الفلسطينية، وبشعبنا، خاصة في قطاع غزة، الذي لطالما شكّل العمق الشعبي للمقاومة، وخندق المواجهة الأول ضد الاحتلال.
هذه العلاقة التي توطدت بالدم، لا تزال تتجلى اليوم في صمود أهلنا في غزة، الذين يواجهون الإبادة والحصار والمؤامرات بصبر لا يُكسر، وبإرادة لا تُقهر. إن مقاومة غزة اليوم ليست فقط دفاعًا عن فلسطين، بل هي دفاعٌ عن كرامة الأمة كلها، وعن الأمن القومي المصري نفسه، الذي لم يغب عن بوصلة عبد الناصر يومًا. فغزة، بما تمثّله من شريان حيّ للمقاومة، كانت وستظل حاجز الصد الأول أمام المشروع الصهيو-أمريكي، الذي لا يستهدف فلسطين وحدها، بل يستهدف عمقنا العربي جميعًا، من النيل إلى الفرات، من طنجة إلى الخليج.
في ذكرى رحيله، نُعيد التأكيد على أن عبد الناصر لم يرحل من وجدان الشعوب. هذا القائد الذي وقف إلى جانب حركات التحرر الوطني من الجزائر حتى عدن، ومن بيروت حتى بغداد، لم يبنِ مجده على حساب الفقراء، بل بنى مجده في خنادق الكادحين، وبين عمال المصانع وفلاحي الريف. كان صوتًا للذين لا صوت لهم، وسيفًا في وجه الإمبريالية والاستعمار، وبوصلته كانت دومًا القدس.
لم تكن فلسطين عند عبد الناصر قضية من بين القضايا، بل كانت جوهر الصراع. آمن بأن لا كرامة للأمة بدون تحرير فلسطين، ولا وحدة عربية حقيقية ما دام هناك كيان صهيوني جاثم على أرضها. ولهذا، كان دائمًا المستهدف الأول من أعداء الأمة، من الرجعية العربية المتواطئة، ومن رأس المال العالمي الخاضع للبيت الأبيض. لقد دفع ثمن انحيازه لفلسطين ولفقراء الأمة من دمه، وصحته، وراحته.
واليوم، في زمن الردة والتطبيع والانهيار القومي، نتلمّس ملامحه في وجوه المقاومين، نسمع صوته في خطاب الجبهات، نرى روحه في نضال الأسرى، في صمود غزة، وفي كل حجر يُلقى على المحتل. في هذا الزمن العربي المتصدّع، يبقى عبد الناصر نبراسًا نهتدي به، نستلهم من تجربته ومن عثراته كما من انتصاراته، ونحفظ العهد بأن لا تراجع عن خط الكرامة والتحرر.
لقد حوّلت الرجعية العربية إرث عبد الناصر إلى تهمة، وصار الحديث عن القومية جريمة في بعض العواصم المذعورة. لكنهم ينسون أن القائد الذي واجه عدوان 1956 وأمم قناة السويس في وجه العالم كله، لا يمكن أن يُمحى من ذاكرة الأمة. هو جزء من تراثها الكفاحي، وهو البذرة التي أنبتت جبهات المقاومة، من فتح إلى الجبهة الشعبية، ومن الفصائل اللبنانية إلى حركات التحرر في الجنوب.
في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث الكلمة طلقة والموقف شرف، نستحضر عبد الناصر لا كرمز عاطفي، بل كخط سياسي. نستحضره كمناضل، كمقاتل من أجل العدالة، كرافض للتبعية، وكحاضن للمقاومة. لا نخجل من دموعنا عليه، فهي دموع الرجال الذين لا ينسون من وقف معهم يوم اشتدّ الخطب وقلّ الناصر.
وفي ختام هذا اليوم، نرفع تحية الوفاء لروحك أيها الزعيم الخالد. كم نفتقدك في هذه اللحظات المصيرية من عمر شعبنا وأمتنا، حين يشتد الحصار وتتكالب الخيانات وتُباع القدس في مزادات الانهيار الرسمي. كم نحتاج حكمتك، صلابتك، شجاعتك، وإيمانك بأن الجماهير هي صانعة التاريخ، لا الملوك ولا السلاطين. نم قرير العين يا جمال، فشعبك لا يزال على العهد، يقاوم، يحلم، ويبني على أنقاض الخراب أملًا جديدًا في الحرية والوحدة والنصر.
المجد لجمال عبد الناصر، المجد لكل من سار على دربه، المجد للأمة العربية، المجد لفلسطين.






