محاضرة سياسية للدكتور كلود عطية بدعوة من هلا صور في معرض الكتاب العربي العاشر تتحول إلى تظاهرة ثقافية وطنية حاشدة

٠٠٠٠٠٠٠عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي الدكتور كلود عطية القى محاضرة بعنوان التحولات الكبرى ومستقبل الشرق الاوسط في قلب التغيرات الإقليمية الراهنة وذلك بدعوة من جمعية هلا صور الثقافية الاجتماعية والكاتب الدكتور عماد سعيد في قاعة الجامعة الإسلامية في صور في، إطار أنشطة معرض الكتاب العربي العاشر الذي، تقيمه هلا صور وقدم المحاضر الأمين عباس فاخوري بكلمة أشار فيها الى شكر لهلا صور والدكتور عماد سعيد والحضور وقال يسعدنا ان نفتح حوارا مع الدكتور كلود عطية حول كتابه المهم عن التحولات وان نستمع الي تحليلاته الغنية حول ما يشهده الشرق الأوسط، من تحولات عميقة ومعقدة ٠واشار الأمين عباس فاخوري الى الكتاب الاخير للدكتور كلود عطية الذي، يتناول التغيرات العميقة التي تمر فيها المنطقة من زوايا سياسية اقتصادية وأمنية ويرصد العوامل المؤثرةفي المشهد الإقليمي والواقع العربي في ظل صراعات مستمرة وتحالفات متبدلة ٠وجدد فاخوري الشكر للدكتور عماد سعيد وهلا صور بقوله معا وسويا سنعمل من أجل مجتمع افضل ٠كما شكر الجامعة الإسلامية على الاستضافة ٠واشار الى عنوان المعرض وهو وحدة المصير والدم وتحية من جنوب لبنان إلى غزة وفلسطين ٠واشاد برعاية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ممثلا بالعلامة الشيخ علي الخطيب لهذا المعرض ٠٠واشاد بدور هلا صور في هذه التظاهرة الثقافية العربية التي أحدثها المعرض ٠وقال ان الكتاب ما زال حيا وان التبادل المعرفي ومساحة الحوار والكلمة جسر بين أمتنا وشعبنا وثقافتنا وبين الأمم الأخرى وأداة للتفكير والتغيير ٠٠ وقد استمع للمحاضرة حشد من الشخصيات يتقدمها امين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في،منطقة صور اللواء توفيق عبد الله والعميد ابو باسل شهاب والمناضل منيف فرج وجميع ممثلي القوى والمنظمات الفلسطينية والاحزاب اللبنانية والشيخ بسام ابو شقير ممثلا لجمعية المشار يع الخيرية الإسلامية و ممثلي الجمعيات والنقابات والأندية والقيادات وحشد نسوي من امهات الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين ونادي الجليل ٠كما حضر رئيس جمعية هلا صور الثقافية الاجتماعية الكاتب الدكتور عماد سعيد وملتقى الجمعيات الأهلية في صور ومنطقتها ووفود من الحزب السوري القومي الاجتماعي من مختلف المناطق الجنوبية ٠ والقى الدكتور كلود عطية المحاضرة التي ننشرها كاملة ٠٠٠كما أجاب على تساؤلات الحضور حول شؤون الساعة والتطورات في لبنان والمنطقة ٠ثم قدم الدكتور عماد سعيد درع تذكاريا باسم المعرض وهلا صور لكل من الدكتور كلود عطية والأمين عباس فاخوري ٠ثم جرى التقاط الصور التذكارية مع الحضور ٠ وهنا نص المحاضرة للدكتور كلود عطية ٠٠٠٠
د. كلود عطية
التحولات الكبرى: مستقبل الشرق الاوسط في ظل التغيرات الراهنة.
نقف اليوم أمام مرآة التاريخ، لا لننظر إلى ماضٍ بعيد، بل لنحدق بعيونٍ فاحصة في سنواتٍ قليلة مضت، حملت في طياتها ما يكفي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من جذوره.
منذ أقل من عقدين، كان الشرق الأوسط مسرحًا لاضطرابات شاملة، تحولاتٍ هزت العروش، وأيقظت الشعوب، وأعادت صياغة موازين القوة. اليوم، ونحن في عام 2025، لا يمكننا أن ننكر أننا أمام مشهد جديد تمامًا: تحالفات تُعاد رسمها، اقتصادات تُبعث من رماد الريع، مجتمعات تُعيد اكتشاف ذاتها، وقوى إقليمية تخرج من الظل إلى مركز القرار.
ولكن، ما الذي تغيّر حقًا؟
هل تحرّرنا من عباءة التاريخ، أم أننا فقط استبدلناها بأخرى؟
هل نحن نعيش تحولاتٍ جذرية، أم تحولاتٍ مُقنّعة؟
وهل ما نشهده هو ولادة جديدة، أم بداية صراع جديد بأدوات مختلفة؟
في هذه المحاضرة، لن أكتفي بسرد الوقائع، بل سأدعوكم جميعًا لقراءة ما بين السطور، لتفكيك ما جرى، وتأمل ما قد يجري. سننطلق من السياسة إلى الاقتصاد، ومن المجتمعات إلى الجغرافيا، لنفهم معًا… إلى أين يتجه الشرق الأوسط، وماذا يعني ذلك لنا جميعًا.
أولًا: التحولات السياسية – من الفوضى إلى إعادة التموضع
حين ننظر في عقد ونصف من الزمن، نُدرك أن الشرق الأوسط لم يكن مجرد ساحة للأحداث، بل كان “نقطة الانفجار” لنظام عالمي يبحث عن نفسه.
بدأ المشهد بزلزال ما سُمّي بـ”الربيع العربي”؛ لحظة فارقة جعلت الشعوب ترفع صوتها بعد صمت طويل. سقطت أنظمة، وظهرت قوى شبابية، لكن سرعان ما تحولت الأحلام إلى كوابيس. انتقلنا من الحلم بالديمقراطية إلى صراعات أهلية، ومن المطالبة بالحرية إلى استدعاء الأمن بأي ثمن.
*لكن مهلاً،*
هل كانت هذه نهاية القصة؟
أبدًا.
ما حدث لاحقًا هو الأهم: *الأنظمة السياسية أعادت ترتيب أوراقها. تعلمت من التجربة، فظهرت رؤى جديدة، بعضها إصلاحي حذر، وبعضها استبدادي أكثر دهاءً. بالمقابل، **القوى غير الرسمية* – من تنظيمات داعشية ارهابية مدرّبة عابرة للدول، وحتى الحركات الدينية الوصولية – أصبحت فاعلًا مركزيًا في صناعة القرار، لا يمكن تجاهله.
واليوم، عام 2025، نرى خارطة سياسية جديدة تتشكل:
– تحالفات كانت مستحيلة أصبحت واقعًا، مثل اتفاقيات التطبيع.
– دول كانت مرتهنة للفوضى استعادت شيئًا من التوازن، كالعراق والسودان.
– قوى إقليمية صاعدة، كتركيا وإيران والسعودية، تلعب أدوارًا تتجاوز حدودها بكثير.
*لكن السؤال الجوهري يبقى:*
هل نحن أمام استقرار حقيقي؟ أم أمام “هدنة استراتيجية” قبل موجة تحول أخرى قادمة؟
ثانيًا: التحولات الاقتصادية – من اقتصاد الريع إلى رهانات التنويع
في السياسة، قد تحتمل الشعوب الانتظار.
لكن في الاقتصاد، الجوع لا يصبر، ولا البطالة تتسامح، ولا الأسواق ترحم. فالشرق الأوسط كان ولسنوات طويلة سجين “اقتصاد الريع”؛ حيث الثروات الطبيعية، خصوصًا النفط والغاز، شكّلت العمود الفقري للأنظمة والدول. لكن الريع، كما تعلمون، ليس نموذجًا مستدامًا، ولا مُنتِجًا للفرص أو الابتكار.
ثم جاء *عام 2014، وانهارت أسعار النفط. فتلك اللحظة كانت جرس إنذار… لكن البعض سمعه متأخرًا. لذلك بدأت بعدها دول الخليج، بقيادة السعودية، بإطلاق مشاريع التحول الاقتصادي الكبرى – **رؤية 2030، رؤية عمان 2040، رؤية قطر الوطنية*. لم تعد المسألة ترفًا فكريًا، بل خيارًا وجوديًا.
وهنا علينا أن نقف أمام مشهد غير مألوف في منطقتنا:
– *السعودية* تتحول من “دولة نفط” إلى “دولة استثمار وسياحة وابتكار”.
– *الإمارات* تندفع نحو اقتصاد المستقبل: الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة، الفضاء!
– *مصر*، رغم التحديات، تسعى لبناء بنية تحتية ضخمة، وإن كان ذلك بثمن اجتماعي باهظ.
– *العراق*، رغم هشاشته السياسية، يحاول استثمار موارده لإعادة الإعمار.
– بل وحتى *دول تعاني من أزمات خانقة، كلبنان وسوريا*، أصبحت تدرك – ولو متأخرًا – أن الخارج لن يبني اقتصاد الداخل.
لكن أي تحول اقتصادي لا يكتمل دون تغيير في *العقلية* و*الثقافة الإنتاجية*. وهنا، يطرح سؤال خطير نفسه:
*هل يمكن أن يتحول المواطن من متلقٍّ للثروة إلى منتِج لها؟*
وهل نحن نهيئ شعوبنا لتكون فاعلة في اقتصاد المعرفة، أم ما زلنا نغذي ثقافة الاتكال والواسطة؟
ثالثًا: التحولات الجيوسياسية – رقعة الشطرنج تتبدّل
في الجغرافيا السياسية، لا وجود للفراغ. وإن تخلّى لاعب عن موقعه، سيملؤه آخر فورًا. والشرق الأوسط – كما تعرفون – ليس مجرد منطقة، بل هو *قلب الصراعات الدولية، ومفتاح التوازنات العالمية*.
بعد عقود من النفوذ الأميركي شبه المطلق، شهدنا في العقد الماضي تحولًا جذريًا في موازين القوى:
– *الولايات المتحدة* بدأت سياسة الانسحاب التكتيكي… لا غياب كامل، لكن تراجع واضح في الانخراط المباشر.
– *روسيا* استثمرت هذا الفراغ، ووسّعت حضورها رغم حربها المدمرة مع أوكرانيا، وباتت رقماً فاعلاً في معادلة الشرق.
– *الصين* دخلت المشهد بقوة ناعمة: من الاقتصاد إلى التكنولوجيا، ومن “مبادرة الحزام والطريق” إلى صفقات الطاقة.
وفي الوقت نفسه، تغيّرت *العلاقات داخل الإقليم نفسه*:
– التوتر بين *السعودية وإيران* بلغ ذروته، ثم عاد فجأة إلى طاولة المصالحة في 2023، بوساطة صينية، في مشهد قلب المعادلة التقليدية.
– *تركيا* باتت لاعبًا طموحًا، يجمع بين القوة العسكرية والتأثير الثقافي والاقتصادي.
– * صراع محور المقاومة مع العدو الإسرائيلي* عاد ليحتل واجهة المشهد، مذكّرًا العالم بأن المسألة الفلسطينية لم تنتهِ وبأن جراح المنطقة لم تندمل.
لكن الأخطر من كل ذلك هو *تعدد مراكز القرار داخل الدولة الواحدة*. ففي دول مثل سوريا، ليبيا، العراق، اليمن… لم تعد هناك سلطة واحدة تُسيطر، بل أطراف داخلية وخارجية تتقاسم الأرض والنفوذ والقرار.
*إذن، نحن أمام شرق أوسط جديد… لكن من يرسم حدوده؟*
هل ترسمه الجغرافيا، أم المصالح؟ هل تصنعه الشعوب، أم تتقاسمه القوى الكبرى؟
رابعًا: التحولات الاجتماعية والفكرية – من الثورة إلى الوعي.
السياسة تُغيّر الأنظمة، والاقتصاد يُغيّر المعادلات، لكن *التغيير الحقيقي يبدأ من الإنسان*. من الأفكار التي يؤمن بها، من القيم التي تحرّكه، ومن الحلم الذي يحمله عن غدٍ مختلف.
منذ عام 2011، رأينا شعوبًا تثور، ثم تتراجع، ثم تُراجع نفسها.
لكن ما لم يُرصد كثيرًا هو التحول الصامت الذي جرى في *وعي الأجيال الجديدة*:
– *الشباب العربي* اليوم، الذي يشكل أكثر من 60٪ من سكان المنطقة، ليس هو ذاته منذ عشر سنوات. بل هو أكثر وعيًا، أكثر نقدًا، أقل ثقة في الشعارات، وأكثر بحثًا عن المعنى والفرصة.
– *المرأة* أصبحت أكثر حضورًا في الفضاء العام، ليس فقط كرمز، بل كقوة فاعلة في الاقتصاد، والسياسة، والثقافة. من مقاعد القيادة في الرياض، إلى ساحات النضال في الخرطوم، إلى محاكم تونس إلى المرأة المقاومة في جنوب لبنان.
– *المجتمعات* تعيش جدلًا هائلًا بين الدين والحداثة، بين التقاليد والتحول الرقمي، بين الخصوصية والانفتاح، وهذا ليس صراعًا بقدر ما هو *بحث حيوي عن هوية متوازنة* بين الأصالة والمعاصرة.
– وحتى *الفكر الديني والسياسي*، لم يعد كما كان. من تراجع الخطاب المتشدد، إلى صعود تيارات عقلانية وتقدمية، تتحدى القديم وتدعو للتجديد، ولو بصوت خافت حتى الآن.
ومع انتشار الإنترنت، والسوشيال ميديا، والذكاء الاصطناعي، صار الشاب العربي يرى العالم كلّه على شاشة هاتفه… ويتساءل كل صباح: “لماذا أنا هنا؟ ولماذا بلادي ليست هناك؟” وهذا السؤال وحده… يكفي لبدء ثورة وعي حقيقية.
حين نتحدث عن التحولات التي شهدها الشرق الأوسط، قد نتناسى أحيانًا أن **بعض الشعوب ما زالت أسيرة الماضي، ما زالت تحت وطأة الألم، ولا تزال تدفع ثمن هذه التحولات على أجسادهم وأرواحهم كل يوم.
لننظر إلى فلسطين…
فلسطين التي لا تزال تحت الاحتلال، التي عاشت وما زالت تعيش ظواهر التشريد، والقتل، والدمار. فأجيالٌ تنشأ وهي تُعلم أن أملها الوحيد هو العودة إلى أرضها، بينما الاحتلال يستمر في تنفيذ مخططاته، ويقتلع شجرة الحياة من جذورها.
هل يمكن أن نغفر لأنفسنا ونحن نعلم أن *أطفال فلسطين* هم الذين يخرجون كل يوم ليواجهوا القصف، والدماء، والخراب؟ هل نعرف كم من الأرواح ذهبت في معركة الحفاظ على الوجود؟ وكيف يُذبح كل يوم حلمٌ جديد تحت وقع الآلة العسكرية الصهيونية المغتصبة للأرض؟
أما في لبنان…
لبنان الذي كان يوماً ما رمزًا للثقافة، والفكر، والتنوع، يقف الآن في وجه انهيار شامل، اقتصادي، سياسي، واجتماعي.
لبنان الذي كان يزدهر بالموسيقى، والفن، والعلم، أصبح اليوم في قبضة *الفساد، وفي أيدي **التجاذبات الطائفية، وفي قلب **الأزمات الاقتصادية* التي لا تنتهي.
ولماذا؟ لأننا ما زلنا نعيش في عالم منقسِم، نُقاتل على نفوذ زائل، بينما الشعب اللبناني هو من يدفع الثمن، ولا يجد مأوى لآلامه إلا في زوايا الحزن والوجع.
لبنان اليوم يسأل: *”هل من أمل؟ هل من فجر؟”*
ألم يحن الوقت أن ننتفض، ليس فقط للأحداث المتوالية، بل **لأرواح الشهداء الذين ضحّوا بحياتهم من أجل أحلامنا، من أجل أملنا في عالم أفضل؟
خاتمة: ما بين التحول والاحتمال… خيارنا يبدأ الآن
حين ننظر إلى ما مرّ به الشرق الأوسط حتى عام 2025، قد نشعر أننا في قلب زوبعة، أو على أعتاب انبعاث. فكل ما حولنا يتغير: السلطة، المال، العلاقات، القيم… لكن السؤال الأهم ليس: “ماذا تغيّر؟”بل: *”كيف سنتعامل نحن مع هذا التغيير؟”*
نحن لسنا ضحايا التحولات، ولا مجرد شهود عليها.
نحن – بصفتنا مثقفين، وساسة، وأكاديميين، وفاعلين – شركاء في صناعة هذا المستقبل، سواء بالقرار، أو بالرؤية، أو بالكلمة.
فإذا كانت المرحلة الماضية قد شكّلتنا تحت ضغط الأحداث،
فلتكن المرحلة القادمة من صناعتنا نحن… بعقل يقظ، وروح مسؤولة، وبوصلة أخلاقية لا تنكسر. فلنخرج من هذا اللقاء لا فقط بمزيد من الفهم، بل بعزيمة على الإسهام، مهما كان موقعنا.
ولعلّ أعظم ما يمكن أن نغادر به هذه القاعة اليوم…
ليس الجواب، بل *الأسئلة الصحيحة* التي علينا أن نواصل طرحها، ومتابعتها، والاشتباك معها بشجاعة.
*الشرق الأوسط يتغيّر… فهل نحن مستعدون لأن نتغير معه، ونغيّره؟*














