بأقلامنا

مرض الغرور الذي أصابني وأنا في دولة الكويت!

من ذاكرة جهاد أيوب

الأحلام كثيرة في الصغر، ولكنها في العرب تتقلص، تتلاشى، وقد تختفي قبل اختفاء صاحبها، واحمد ربي أن احلامي لم تكن جامحة بقدر واقعيتها النظيفة، منها ما تحقق، ومنها ما تبدل، والأهم أنني أغير أحلامي مع كل مرحلة وظرف، ولا أعيش الجمود كي لا أصاب بعقدة الفشل، وكي لا يصبح الفشل عقيدة الضعفاء…
نعم، منذ صغري أحب الكويت وقطر ولا أعرف السبب، وقلت في سري لا بد من زيارة تصيبني بداء المعرفة والحب معاً، وقد تحقق ذلك، وأنا حتى الآن غير نادم على هذا الحب رغم مرور الزمن، ورغم قساوة الغربة حتى لو عشتها في الجنة، وللحق لي في دولة الكويت ودولة قطر الكثير من الأحباب، وأصدقاء وبراكين من الحنين الصافي، وصفحات ذهبية في قلوب نظيفة تبادلني الشمس.
أذكر، وبعد تحرير الكويت من غزو صدام حسين سافرت إلى حلم راودني منذ صغري مباشرة، وصلت المطار فاستقبلت بعاصفة رملية مخيفة أوقعت حلمي بالمصاعب المقبلة، وما أن وضعت قدمي في باص المسافرين وجدت خمسة دنانير على مقعدي، اخذتها وقلت في سري : ” ربما هي اشارة لي…سأضعها في صندوق الصدقات أو استعملها ان احتجتها، ومن ثم اعطيها إلى فقير”، وحينما بدأت بالعمل في جريدة القبس الكويتية، وهي من أهم الصحف العربية في حينه، وبسبب المحبة التي وجدتها من زملاء لا أعرفهم، والشهرة السريعة، وعاصفة التواصل والتقدير من الفنانين والناس وبعض المسؤولين أصبت بداء الغرور والعنجهية الغبية!
استمر حال مرض غروري أقل من سنتين بعد تعرفي على ثقافات جديدة، ونجاحات غيري، والأهم اكتشاف الأرض التي أقف عليها!
وقفت أمام صورتي لأكتشف أنني لا شيئ، بل باحث صغير، ورجعت إلى الواقع والكتاب، وأخذت ازرع حرية، وصراحة ربما اعتبرها بعضهم فجة، ولكنني امتلك الأسلوب المهذب في طرحها فلا تجرح، ومحبة أخذتها من أمي، وطفولة أؤمن بها، ودروس مهنية وحياتية من زملاء سبقوني وأفهم مني، ونقد كتبته عن علم لا عن حقد وجهل…واكتشفت دون معلم أن النجاح المهني يلغي الغرور، ويجعلني متواضعاً بذكاء…وهذا ما حصل، وهذا أنا بكل وضوح…ولا زلت اتعلم كي لا أصاب بداء الغرور من جديد مع أن الغرور حالة مطلوبة مع أشخاص تلتقيهم يومياً يتمتعون بزناخة الحضور والحقد، وتفاهة الاستخفاف بالآخر…هؤلاء أمارس غروري عليهم بكل حضور كي يجدوا صورهم المريضة بي، ويتعلموا ما تعلمت من مدرسة الحياة وزملاء صادفتهم في حياتي…!

جهاد أيوب

زر الذهاب إلى الأعلى