بأقلامنا

حدود المخاطر والسيطرة على جبهة لبنان بقلم ناصر قنديل

خلال أسبوع قام جيش الاحتلال بمجموعة خطوات تصعيدية على جبهة لبنان، فاستهدف المدنيين وسقط منهم شهداء وجرحى كان منهم شهيدتان في بلدة المنصوري، امرأة وطفلة، ووصل بغارات طيرانه إلى أطراف الجنوب مستهدفاً مدينة الغازية جنوب صيدا، ووصل أمس الى أطراف مدينة بعلبك، وربما يكون ذلك بقياس الذي يتحدّثون عن فرضية الحرب الإسرائيلية نوعاً من التدرّج وصولاً للحرب، فهل هذا صحيح؟
– بالرغم من ظاهر الأمور الذي يوحي بما يسمّيه البعض بخرق قواعد الاشتباك من الجانب الإسرائيلي، فإن الواقع هو أنه لا توجد منذ 8 تشرين الأول قواعد اشتباك نهائية، بل إن كل طرف من طرفي الجبهة يحاول رسم قواعد اشتباك وفرضها على الطرف المقابل. وهذا ما فعلته المقاومة بفرض معادلة المدى مقابل المدى والنوع مقابل النوع، في السلاح والهدف. وما يفعله الإسرائيلي هو محاولة فرض قواعد اشتباك جديدة، ربما يريد من المقاومة مجاراته فيها وفقاً للقواعد التي فرضتها، أي المدى مقابل المدى، ولهذا يركز على أعماق بين 40 كلم و80 كلم، لاستدراج مثلها، بما يشكّل تصعيداً نوعياً، ربما يرغبه الإسرائيلي لخلط الأوراق في الحرب التي لا تبدو أنها تسير كما يشتهي، سواء على جبهة لبنان أو جبهة غزة.
– بالتوازي يحاول الإسرائيلي، مع مراعاة عدم إيقاع خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين، أي عشرات الشهداء في مدينة أو سوق تجاري أو مجمع سكنيّ، أن تكون ضرباته نحو مدن كبرى فيها كتل سكانية ضخمة وحياة اقتصادية كبيرة، والهدف هو دفع السكان في هذه المدن مثل النبطية والغازية وبعلبك إلى الهجرة، وهكذا يخلق توازن التهجير بينه وبين لبنان، بعدما بدا أن هذا الميزان مختلّ لصالح لبنان، حيث عدد المهجرين قرابة 50 ألفاً مقابل ربع مليون مهجّر من المستوطنين. هذا إضافة إلى إصابة مناطق بيئة المقاومة بالشلل الاقتصادي، والمدن الثلاث مراكز ثقل في الحركة الاقتصادية. والهدف واضح هو السعي لإقناع حزب الله بقوة النار بأن التوصل إلى حل تفاوضي عبر جبهة الحدود يكون مجزياً بعائداته للبنان بدلاً من اشتراط انتهاء الحرب على غزة أولاً، وهو خيار جيد لحزب الله مقابل الأثمان التي يتكبّدها للتمسك بعنوان، لا تفاوض حول ترتيبات على جبهة لبنان قبل وقف الحرب على غزة.
– في السياق يسعى جيش الاحتلال إلى تحقيق مكاسب جانبية ليست بقليلة الأهمية في حساباته، وجوهرها إلحاق الأذى البنيويّ بهياكل المقاومة القتالية، عبر استهداف استخباريّ للكوادر الوسطية الفاعلة التي تمثل عصب القتال في الجيوش، بينما تعتمد المقاومة منهجية مختلفة في إدارتها للجبهة، فهي تنطلق دائماً من أن احتمالات الحرب الكبرى واردة سواء عبر انزلاق ما أو عبر حرب يشنها الاحتلال بقرار، أو في لحظة لا يمكن التنبؤ بها تجد المقاومة أن هناك فرصة لشنها، ولذلك فإن فتح الجبهة وإدارتها بخلفية إسناد جبهة غزة واشتراط وقف الحرب على غزة لبدء التفاوض على مسار الوضع على جبهة لبنان، لم يجعل المقاومة غافلة عن رسم أهداف تكتيكية لمواجهتها، فكان إشعال الجبهة إسقاطاً لعنصر المفاجأة من يد الاحتلال في حال قرّر الذهاب للحرب، وكان استهداف تجهيزاته التقنية العالية الدقة تحضيراً لاستحقاق الحرب، سواء شنها الاحتلال أو المقاومة أو تم الانزلاق إليها دون قرار. وبينما يسعى الاحتلال إلى تحديد أهداف تخدم الصورة الإعلاميّة والحرب النفسية بالقول إنه يستهدف مَن يشاء من كوادر المقاومة وأي موقع جغرافي قريب وبعيد، تسعى المقاومة لإلحاق خسائر صعبة التعويض السريع بالنسبة للاحتلال. وهذا سبب تركيزها من الناقورة إلى مزارع شبعا طولياً وإلى ميرون عمقاً على التجهيزات الاستخبارية والعملياتية، التي تحتاج إعادة ترميمها وتشغيلها الى مدة تصل الى ثلاث سنوات في بعض الحالات، مثل موقع ميرون.
– الاحتلال في سياق التصعيد الهادف لصرف المقاومة عن هدف ربط وقف القتال على جبهة لبنان بوقف الحرب على غزة يعتمد التوسيع، والمقاومة في سياق التصعيد الهادف لإثبات تمسكها بهذا الربط تعتمد التثقيل، سواء بنوعيّة وكميّة الصواريخ أو طبيعة الهدف.
– تبدو الجبهة في حال تصعيد، لكنها لا تبدو مهيأة للخروج عن السيطرة، حيث قرار الحرب الكبرى له موجبات وتداعيات، ليست ناضجة على ضفتي الحرب، بحيث ترتسم معادلة هندسية واضحة: المقاومة لا تريد الحرب لكنها لا تخشاها، والاحتلال يريد الحرب لكنه يخشاها، ومن يريد الحرب لا يقدر عليها ومن يقدر على الحرب لا يريدها.

زر الذهاب إلى الأعلى