بأقلامنا

دروس صافعة في مسلسل “شارة نصر جلبوع”.. دراما فلسطينة باللحم الحي! بقلم// جهاد أيوب

من الأعمال الدرامية الدرس الصافع، والتي تستحق أن نتعلم، ونقطف منها عبرة التجربة حيث وضعت الدراما العربية في ميزان المنطق خارج لعبة المبالغات، وتدخل المتدينين المتطرفين بحجة الحفاظ على الضوابط الشرعية حيث تزوير الحقيقة، وشهوات المنتج، وسياسة دول عربية تزور الحقائق من أجل غايات مشبوهة، وجهل المخرج بما يعمل، وافتعال التمثيل، ورغبة البطل في الضوء على حساب كل العمل، ومكياج وأزياء البطلة الفاقع، وتقليد وتشويه الدراما التركية بكل المبالغات الدموية، والغرق بمافيا المخدرات، والغدر والخيانة بكل أنواعها، نجد عملاً ينفذ في ظروف صعبة، وبإنتاج أكثر من متواضع يصفعنا، ويضع الأمور في نصابها المنطقي فنياً واخلاقياً وواقعياً خارج الانفصام الذي نعيشه!
عمل قدم المرأة كما هي خارج التعري، والفستان المكوي، و تسريحة النجمات، ومرض المكياج حيث لا لزوم له!
قدم المشهد بطبيعته، والرؤية بوضح الصرخة، والدور كما نقطة الدم لا مبالغات، ولا عنتريات، ولا بهرجات نجوم الكذبة!
المسلسل هو فلسطيني في زمن نسيان فلسطين من انها محتلة… المسلسل في زمن التطبيع العربي وزمن إسرائيل مؤقت…!
المسلسل “شارة نصر جلبوع” قصة حقيقية، وعليها شهود ادوا دور البطولة الدرامية في عمل وجب الوقوف أمامه بإنحناء واحترام!
يكشف المسلسل النظيف كفكرة وكتمثيل، يكشف عن تفاصيل دقيقة وحساسة عن حالة هروب المعتقلين الفلسطينيين من السجون الصهيونية الإرهابية في إسرائيل المؤقته، وسجن “جلبوع” هو الأشهر في العالم، إنها قصة حفر النفق بوسائل بدائية من قبل الأسرى الستة رغم انف السجان، وتطور التكنولوجيا التي بحوزته، والإجراءات الأمنية والعسكرية والإجرامية المشددة!
يعكس المسلسل حالة التحدي والصبر من قبل الأسرى، واصرارهم على انتزاع حريتهم ووطنهم من تحت الأرض داخل سجن “جلبوع” الأكثر تحصيناً في العالم…الأرض التي تعرفهم، الأرض التي كانت الستر والغطاء، الأرض الأم لكونها الوطن حيث أصبحت الرحم…
مجموعة من الوجوه الفنية الإنسانية اشاهدها لأول مرة تؤدي بإبهار، (وهنا بعض الملاحظات النقدية لم يعد لها حضورها لكون البطل هو الأسير)… تغرد في قالب درامي مشوق، ولو اعطوه فرصة من الوقت والتنقيح، والقراءة لكان الحوار أكثر نضجاُ، ومع ذلك الحالة فرضت حضورها!
البطولة للأسير محمود العارضة، كيف تمكن من رسم روحه وهو الموجوع الذي يجسد حالته وعنفوانه؟
كيف تمكن من امتلاك إسترجاع لحظات عاشها في الوجع، وداخل صراخ الألم؟
هنا البصيرة دامغة ودامعة… محمود ابدع رغم أنه هو الأسير المثابر، انهك الأرض ولم ينهك، هو الذي حاول مراراً الهرب من سجن الجبناء الأعداء “جلبوع” إلى أن تمكنت مجموعة أمنت بالرحمن وبقضيتها فنالت حريتها كما تشتهي بفخر… وانتزعت الولادة بعزة الوطن!
العمل تعرضه قناة الاتجاه، ومن انتاج قناة فلسطين اليوم، ويصور واقع حقيقي من لحم ودم، ويعكس حالة الصمود والإرادة والقلق والنور عن حرية الأسرى داخل المعتقلات الصهيونية الإرهابية…إنه صفعة لكل تنظيرات الدراما العربية المتخمة انتاجياً وبفزلكات النجوم الكذبة!

 

زر الذهاب إلى الأعلى