بأقلامنا

عمرو موسى يكتب: رسالة إلى القمة العربية: بأي حال عُدتِ يا قمة؟

تعود القمة العربية لتنعقد اليوم فى المنامة، عاصمة مملكة البحرين، ويكاد انعقادها السنوى يعيد إلى الذهنية العربية، بل إلى الضمير العربى، صيحة المتنبى:

عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيك تجديد

وتنعقد القمة هذه المرة وسط أجواء دولية قاتمة، وأوضاع إقليمية مزعجة، وأى إزعاج أكبر مما يحدث فى غزة والضفة الغربية، حيث يسيل الدم الفلسطينى، وينهار البناء العربى، مدنًا وقرى، سياسة ومصالح، بشرًا وشجرًا وحجرًا؟

فإذا أضفت إلى ذلك ما يجرى فى السودان من تمزق، وفى الصومال من تهرؤٍ، وفى لبنان من عجز، وفى سوريا من بكاء على الأطلال، وفى ليبيا من «وقف الحال»، وفى تونس والمغرب العربى، فى عمومه، من اضطراب، وفى الهلال الخصيب من المؤامرات، وفى الخليج العربى من تهديدات قد تمس استقرار دوله، بل واستقلالها.. ستتضاعف المسؤولية على القادة المجتمعين فى المنامة. وسيكون لزامًا عليهم أن يتعاملوا مع تحدٍّ جدّى للوجود العربى… أن نكون أو لا نكون. لم يكن هذا مطروحًا من قبل، أو مطروحًا بهذه الصراحة وذلك الوضوح.

أولًا: أتوقع أن تنعقد القمة هذا العام ليس لعدد قليل من الساعات؛ ليتسابق الحضور فى العودة إلى عواصمهم، وقد أدّوا الواجب إذ حضروا، دون أن يتيحوا الوقت الكافى لاستثماره فى صياغة مواقف تتعامل مع المشكلات المطروحة، بما يتطلبه التحدى من مواقف وإجراءات يصوغها العقل العربى الجمعى فى مواجهة وضع سلبى لم يحدث مثله من قبل، على الأقل بهذا الشكل الذى يعد إهانة سياسية واستخفافًا استراتيجيًا بالعرب فى مجموعهم.

ثانيًا: لم يحدث من قبل أن سمح النظام الدولى لدولة صغيرة مثل إسرائيل بأن تمثِّل استثناءً إزاء القانون الدولى وإزاء قيم حقوق الإنسان، بل اخترع لها حق دفاع شرعى خاصًا بها لا ينطبق على دولة غيرها.. حق دفاع شرعى ضد السكان المدنيين فى الأراضى المحتلة، الذين ينص القانون الدولى على حمايتهم فى أوقات الحروب.

لم نسمع من قبل أن مجلس الأمن سمح باستمرار جريمة إبادة جماعية (Genocide)، برفض إصدار قرار بوقف إطلاق النار، بحجج غاية فى الهراء السياسى والخواء القانونى. لم نسمع من قبل بمواقف دولية تعمل على تمكين «المرتزقة» من التنافس على حكم بلد مهم أفريقى عربى مثل السودان، ومواقف أخرى تكرس قيام كيانين حكوميين داخل دولة واحدة، مثلما يحدث فى ليبيا؛ ليقضى على استقرارها ونمائها إلى أن تقضى الدول العظمى أمرًا كان مفعولًا.

والحال يتكرّر فى جلّ أركان العالم العربى، وهو الأمر الذى إذا تُرك على ما هو عليه، فلا بد من توقع حدوث الانهيار الكبير فى العالم العربى.

هل يمكن أن تجتمع القمة العربية دون أن تتعرض لذلك كله، وأن تعطيه من الوقت والانتباه ما يتطلبه من يقظة ومسؤولية، وأن تُصدر بشأنه من المواقف والمبادرات ما تراه يعبِّر عن الشأن العربى على هذا المستوى الرفيع من الملوك والرؤساء والأمراء العرب؟ لا أعتقد ذلك.

ثالثًا: إنَّ الأمر لا يتعلق فقط بمخاطبة الدول العظمى والأخرى على المستويين الدولى والإقليمى، بل الأهم مخاطبة الرأى العام العربى والأجيال الصاعدة فيه بما يقنعهم، وهم الذين بدأ اليأس يأكل قلوبهم، من المستوى المتدنى الناجم عن شعورهم بالإهانة الموجهة إليهم بصفتهم بشرًا ومواطنين فى دول عربية ينتظرون من قادتهم الحاليين أن يقيلوهم من العثرة التاريخية المعاصرة، وأن
يحموا هويتهم.

رابعًا: نعم هناك خلافات يصل بعضها إلى ما يمكن وصفه بالخلافات الجذرية، ولكن هناك أكثر من طريقة للتعامل مع هذا الوضع، ليس من بينها بالضرورة الصراخ أو العراك، وإنما طرحٌ رصين يليق بمستوى القمة وشرحٌ أمين لأسباب اتخاذ ذلك القرار أو إقرار تلك السياسة، وكيف يمكن التوفيق بين قرار ما وبين المصلحة السياسية العربية المشتركة.

خامسًا: إنَّ قرارات عربية عاقلة وحاسمة فيما يتعلق بضرورة إنهاء الموقف المضطرب فى ليبيا، وفق خطوات تُحْسن القمةُ صياغتَها، وضرورة مساعدة تونس فى الحفاظ على استقرارها، ورفض أن يتولى «المرتزقة» رئاسة السودان تحت أى ظرف من الظروف، مع موقف موازٍ حازم برفض العودة إلى حكم أقلية تدّعى نصرة الدين، مع تشكيل لجنة قمة لمساعدة السودان على العودة إلى وضع طبيعى مستقر، هو ما ينتظرها أى مواطن راشد من القمة القادمة. ومثل هذا يمكن المطالبة به فى صدد لبنان وسوريا والصومال وربما غيرها.

سادسًا: الوضع الإقليمى، وما يجب أن يكون عليه موقف العرب من السياسة الإيرانية والمقاربات التركية، والوضع فى البحر الأحمر وفى المياه العربية على اتساعها، وما بها من ثروات، سواء كانت فى الخليج العربى أو المحيط الهندى أو البحر الأبيض، يستدعى نظرة من القمة.

سابعًا: إنَّ اتخاذ قرارات قوية وواضحة حيال ما يحدث فى غزة يظل أمرًا مُلحًا على قائمة الانتظار من جانب الرأى العام العربى، وصدور قرار رصين للقمة العربية يوضح الموقف العربى- على الأقل للتاريخ- يمكن أن يضع الأمور فى وضعها الصحيح، ويسهم فى خلق جو إيجابى فى عموم العالم العربى.

كل هذا وغيره يحتّم أن يجتمع له العرب على أعلى مستوياتهم، مثلما يحدث فى المنامة اليوم، وأن يأخذوا فى ذلك وقتهم.

امكثوا فى المنامة يومًا وبعض يوم، وليس ساعة أو بعض ساعة.

الأمر جَلَل، واللحظة حاسمة.. والله يساعد مَن يساعدون أنفسهم، وهو الموفِّق والمستعان، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى