بأقلامنا

دُوْمَا دَوْمًا… دَومًا دُوْمَا بقلم الشاعر هنري زغيب

“نقطة على الحرف”
الحلقة 1673
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 19 أَيار 2024

كأَنَّ لبنانَ كلَّه، ظُهْر الجمعة قبل يومين، كان يشاركُ دُوما احتفالَها تحت شمْس الربيع بِعِيدَيْن لبنانيَّيْن: نيلِها جائِزةَ “إِحدى أَجمل القرى السياحية في العالَم”، وافتتاحِ سوقها العتيق الـمُرَمَّم الـمُجَدَّد بهبة نبيلةٍ خاصةٍ من صندوق “جمعية قطَر للتنمية” وحضور الأَمين العام لـ”منظمة الأُمم المتحدة للسياحة”، ونفَرٍ من الرسميين والأَهالي. وكان لافتًا قولُ الأَمين العام إِن “لبنان يتمتَّع بفَرادة ثقافية غنية”، وتأْكيدُه “أَهميةَ الشراكة بين المنظَّمة ولبنان”.
مشرقٌ هذا القولُ من شخصيةٍ أُمميةٍ عن وطنٍ يطأُ الموت بالموت، ويُطلُّ على الخارطة العالَمية بهيًّا نابضًا بالجمال والحياة. فبعد بكاسين قبل سنتين، وكفرذبيان العام الماضي، ودُوْمَا هذا العام، يَثْبُتُ أَنَّ لبنان السياحة، ربيعيِّها وصيفيِّها وشتائيِّها، يتنافس على السطوع العالَميِّ مع لبنان الثقافة والإِبداع، ليشكِّل واحةً فريدة في هذا الشرق، منارتُها متلأْلئةٌ بعبقرية إِبداعية تخترق حُجُب العتمة.
وهوذا عرسُ دُوْمَا هذا العام، دُوْمَا دَوْمًا دَومًا دُوْمَا. وهي اخترقَت التصفيةَ الأُولى بين 53 قرية في العالم، والتصفيةَ الثانية بين 6 قرى عالَمية، لتكون عروسَ لبنان هذه السنة بموقعِها الأَنيق، وتُراثِها العريق، وسُوقِها العتيق، وبيوتِها القرميدية الرحيق، ونشاطِها السياحي والثقافي الرفيق، وحفاظِها على إِرثٍ وَرِثَتْه من أَجيالٍ، وأَبْقَتْهُ نضِرًا حيًّا يتنقَّلُ الحرص عليه من جيل إِلى جيل.
نموذجُ دُوْمَا الفريد فَلْيَتَعَمَّمْ على كل قرية وبلدة ومدينة في لبنان. من فَرادات وطننا اختصاصُ كلِّ ناحيةٍ فيه بمزايا تتسابق عليها سائر النواحي وتنجح، كأَنما كلُّ بقعة من لبنان بمفردها هديةُ الطبيعة لنا كي نكون على مستوى الإِرث. وفي هذا بالضبط يقول شاعر لبنان سعيد عقل: “هنا تحت كلِّ ترابَهْ مفاتِنُ مجْدْ… هنا اللهُ شرَّع بابَهْ وضَمَّكِ ضمَّةَ وجد… هنا جبَلٌ لا الأَساطير أَشهى ولا الشمسُ أَبهى… أَحايينَ يُغري سُهولَهْ بفُلٍّ وورْدْ.. أَحايين يلعبُ يُغري البطولَهْ برميةِ نرْدْ”.
كأَنَّ لبنانَ كلَّه كان في دُوْمَا قبل يومين؟ ولبنان كلُّه مهيَّأٌ لتكون كلُّ بلدة فيه عرس جمال، إِذا أَحسنَ أَهاليها الحفاظَ عليها تُراثًا ولا أَغلى وجمالًا ولا أَحلى.
هو هذا قدرُهُ، لبنان: أَن يكون المنارةَ التي تشتهيها الشطآنُ لتأَلُقِها صبيَّةً يَحسُدُها محيطها القريب والبعيد.
وسيبقى لبنانُ في ربيع دائم، وفرح دائم، وتطلُّعٍ دائم إِلى الغدِ الأَفضل، والمستقبلِ الأَفضل، ومهما اشتدَّت عليه عواصفُ الشتاء يظل إِليه توقٌ من مواسم الربيع، وتظلُّ رفوفُ السنونو تَعبُرُ سماءَه مبشِّرةً بربيعه الجميل، وسوف يظلُّ الدوري يهنأ إِلى الـمَبيت في عشٍّ نسجَهُ قشَّةً قشَّةً، وأَودَعَهُ طاقةً آمنةً تحت قرميدٍ أَحمرَ جميلٍ في حارةٍ جميلةٍ من حارات دُوْمَا.
هـنـري زغـيـب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى